عشية 11 سبتمبر: وقفة واجبة بين دعاة الإرهاب ودعاة التنوير

TT

تحتاج محاربة الإرهاب في العالم العربي في البداية إلى الصراحة مع الذات في تحديد العنصر الأساسي في العملية بأكملها، وهو الفكر الإرهابي و«الدعاية للإرهاب»، فهناك فرق بين القيادات الإرهابية أو رؤوس الإرهاب، وهي تعرف أهدافها جيدا ولها طموحات سياسية ولهذا تقوم بالتأسيس والتخطيط والتنظيم وتوجيه الأوامر، وبين الإرهابي المنفذ، وهو قد يكون المخدوع أو مغسول الدماغ، وغالبا لا يعرف أبعاد العملية التي يقوم بها، ولكن الأخطر في العملية الإرهابية بأكملها هم «دعاة الإرهاب».

في هذه المقالة سوف أركز على «دعاة الإرهاب»، أو ما أطلق عليهم زين العابدين الركابي «العقول المفخخة»، التي لا ترتكب الفعل الإرهابي بأيديها، ولكنها الشريك الأساسي في العملية الإرهابية بأفكارها المسمومة التي تبثها على الرأي العام، في مقابل «دعاة التنوير» أو الأطباء الذين يقومون بدور الوقاية من هذا السرطان الإرهابي، وتبيان أوضاع كليهما يكشف حجم وعمق الأزمة في المجتمعات العربية.

أولا: يدرك «دعاة الإرهاب» جيدا أن الإرهاب فكر ولهذا يعادون بشراسة أي فكر تنويري. ففي عام 1924 تم تجريد علي عبد الرازق من شهادته الأزهرية نتيجة لإصداره كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، وفي عام 1926 تم حرق كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي»، وفي عام 1947 قتل المفكر الإيراني أحمد كسراوي عقب فتوى الخميني بذلك، وعام 1985 أعدم محمود طه على يد جعفر النميري وعصابته، وفي عام 87 قتل حسين مروة ومهدي عامل في لبنان من قبل حركة اسلامية متطرفة، وفي عام 92 تم اغتيال فرج فودة بناء على فتوى، وذهب المحرضون إلى المحكمة لتبرئة القاتل وأصدروا كتابا بعد ذلك يوضح استحقاقه للقتل، وفي عام 94 تم طعن نجيب محفوظ بعد مقولة عمر عبد الرحمن الشهيرة «لو نفذ قتل نجيب محفوظ في (أولاد حارتنا) لتأدب سلمان رشدي»، وعام 99 سجن أحمد بغدادي في الكويت، وفي 2002 طالبت احدى محاكم نيجيريا بقتل اسيوما دانيال بسبب تنظيم مسابقة ملكة الجمال، وفي عام 2002 أصدرت احدى محاكم إيران حكما بإعدام هاشم اغاجاري والذي خفف للسجن بعد ذلك. وفي اغسطس 2003 اختفى رضا هلال، وفي عام 95 تم تفريق نصر حامد أبو زيد عن زوجته وهرب إلى هولندا، وتم سجن أحمد صبحي منصور وفصله من جامعة الأزهر وهرب إلى أمريكا، وأقيمت الدعاوى القضائية ضد يوسف شاهين وأحمد عبد المعطي حجازي وعاطف العراقي، وهدد العفيف الاخضر بالقتل أكثر من مرة، وقضى صلاح الدين محسن ثلاث سنوات سجن لكتابه «ارتعاشات تنويرية»، وهرب مؤخرا إلى كندا. وسجن علاء حامد ثلاث سنوات عن روايته «مسافة في عقل رجل»، وفي 2001 أقيمت دعوى تفريق نوال السعداوي عن زوجها شريف حتاتة، وفي يوليو انسحب سيد القمني بعد أن تلقي تهديدا جديا بقتله، وآخر ضحايا الفكر هو سمير قصير الذي قتل فى 2 يونيو الماضى من أجل مواقفه الصلبة والواضحة دعما لحرية واستقلال بلاده. وبدلا من محاكمة «دعاة الإرهاب» على جرائمهم التي يرتكبونها في حق مجتمعاتهم يعيشون في أمان تام، ولم يسمع أن أحدا منهم تم تهديده، ولا يكتفون بنشر الفكر الإرهابي عبر المسكونة ولكن أيضا يروعون دعاة التنوير لغلق شعاع الضوء الذي ينبه المجتمع إلى خطورة هذا المرض اللعين.

ثانيا: يعيش دعاة الإرهاب في بحبوحة من العيش وأغلبيتهم أثرياء في حين يعيش أغلب دعاة التنوير في فاقة وينفقون من جيوبهم على كتاباتهم، والبعض منهم لا يلقى حتى نفقات علاجه.

(انظروا مثلا ما حدث للعفيف الأخضر) فلولا تولي بعض الأصدقاء علاجه لمات منزويا في مسكنه المتواضع، والبؤس الذي كان يعيش فيه خليل عبد الكريم، وما حدث لأسرة فرج فودة بعد وفاته، والأمثلة كثيرة.

ثالثا: في حين يحتفى بكتب دعاة الكراهية والإرهاب وتوزع بكميات ضخمة، وأحيانا مجانا، لا يجد دعاة التنوير في كثير من الأحيان ناشرا، وإذا وجدوا أو طبعوها على نفقتهم الخاصة يصادر الكثير منها، انظر ما حدث لكتاب نجيب محفوظ «أولاد حارتنا»، صادق جلال العظم «نقد الفكر الديني»، لويس عوض «فقه اللغة العربية»، سعيد العشماوي «الإسلام السياسي، الخلافة الإسلامية، أصول الشريعة»، وكتب خليل عبد الكريم، سيد القمني «رب الزمان»، جمال البنا «مسؤولية فشل الدولة الإسلامية»، نوال السعدواي «سقوط الامام»، حتى كتاب «النبي» الجميل لجبران خليل جبران تمت مصادرته في مصر العام الماضي.

فحرق كتب ابن رشد، وعددها 108 كتب، عام 1189، كان إيذانا بخروج العرب والمسلمين من العالم المعاصر ونكوصهم إلى الماضي السحيق، وحرق كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي» عام 1926، كان علامة على إهدار النهضة وعدم قبولها وإجهاض حلم رواد النهضة..

رابعا: تتحالف بعض الأنظمة مع دعاة الإرهاب ضد دعاة التنوير والإصلاح والديموقراطية والمجتمع المدني، بل ويؤسفني القول ان عداوة الكثير من المؤسسات الدينية في الدول العربية لدعاة التنوير أكثر بكثير من عداوتها للإرهابيين ورؤوس الإرهاب ذاته، ولهذا تتخاذل هذه المؤسسات عن إصدار فتاوى واضحة قاطعة ضد هؤلاء الإرهابيين ومن يحركونهم (حتى الآن لم تصدر فتوى واحدة ضد أسامة بن لادن).

خامسا: دعاة الإرهاب نجوم في المجتمعات العربية مثلهم مثل نجوم الفن والكرة تتاح لهم أحيانا المنابر من المساجد إلى المدارس إلى الجامعات إلى الصحف والفضائيات، ولم يمنع داعية إرهابي من اعتلاء مسرح أو مدرج جامعة للإعلان عن أفكاره في حين تم منع الكثير من الفنون والغناء والمسرحيات والحفلات العامة مرضاة لدعاة الكراهية.

سادسا: حتى المحامين، لا يوجد محام يسمى «محامي المستنيرين»، ولكن هناك العشرات ممن يطلقون على أنفسهم «محامين إسلاميين» أو «محامي الإسلاميين»، والسؤال الأكثر غموضا من يدفع مصروفات هؤلاء المحامين، فأي قضية لمتطرف تجد فريقا كاملا يدافع عنه..

سابعا: لب القضية انه لم تحدث إدانة جادة للفكر الإرهابي في العالم العربي ومكافحته، لأن الكثير من هؤلاء الذين من المفترض أن يدينوا الفكر الإرهابي هم من «دعاة الإرهاب»، وتحت ضغوط الحكومات يتم على استحياء إدانة عمل إرهابي هنا أو هناك، أما التبرير والهروب فحدث ولا حرج، فأحدهم في كاليفورنيا يقول «لن نحول منظماتنا إلى منظمات تشتغل بشكل موسمي لإدانة الإرهاب»، ومصنف معتدل آخر في لندن «لن نفتح دكاكين فتاوى لإدانة الإرهاب»، في حين انهم بالفعل لديهم دكاكين فتاوى تفتي في كل شيء تقريبا.

وأخيرا: إذا كانت كل هذه الحوافز تعطى لدعاة القتل والكراهية والإرهاب من تبجيل واحترام وثراء واحتفاء بأفكارهم، فى حين تتخاذل بعض الحكومات والمجتمعات العربية عن حماية ومساندة دعاة التنوير، فكيف يتوقع البعض انحسار الإرهاب؟

قد ينحسر العنف بفعل العمل الأمني، ولكن الإرهاب أولا وأخيرا فكر، ولا يمكن هزيمته إلا بفتح طاقات نور لتبديد هذا الفكر الظلامي وإحلال دعاة الحب والخير والجمال مكان دعاة الكراهية والقتل وتقبيح الحياة.

وفي النهاية، كما يقول توني بلير «الأمر متروك للمسلمين كي يفعلوا شيئا».

[email protected]