بطالة أخطر

TT

تصريحات وزير العدل السعودي نادرة، ولذلك كلما يصدر منه تصريح يلقى المتابعة والاهتمام. ومؤخرا وضح أن موضوع إصدار تراخيص مزاولة مهنة المحاماة للمرأة ليس من اختصاصه. ويأتي هذا التصريح وسط جدل وحوار متزايد عن السماح للمرأة بممارسة مهنة المحاماة، وخصوصا أن الحاجة تستدعي ذلك مع تزايد عدد النساء الحاصلات على شهادات جامعية مذهلة في التخصص. وبعد هذا التصريح حدث موقف «غريب» من قبل وزارة التجارة والصناعة والمتمثل في رفض طلب مجموعة من سيدات الأعمال، وهن أعضاء في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، للترشيح في انتخابات مجلس إدارة الغرفة المقبلة. وفي المقابل من هذا كله قامت مؤسسة النقد السعودي (وهي بمثابة البنك المركزي) بالموافقة على قبول السيدات في مجالس إدارات البنوك المحلية، وكانت أول حالة (والوحيدة لحد الآن) هي دخول السيدة لبنى العليان إلى مجلس إدارة البنك السعودي الهولندي . ويبدو أن هناك تباينا واضحا، إن لم يكن تناقضا صريحا، في التعامل مع مكانة المرأة المهنية في المواقع المختلفة. وتأتي هذه التناقضات والسعودية تستعد لإغلاق وإكمال طلبات ملف انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، ويبدو ذلك متناقضا تماما مع روح الاتفاقية المطلوبة ومقتضيات المناخ الاقتصادي الحر، الى حد كبير، الذي تتمتع به السعودية.

هناك حماس واضح ومطلوب في التصريحات الخاصة بالعمل والتوظيف، وهناك جدية واضحة في التعاطي مع رفع معدلات التوظيف وتقليص نسب البطالة، إلا أن هذا الأمر يتغير حين الوصول للتعاطي مع شأن توظيف المرأة . كل ذلك نتاج فوبيا اجتماعية لا علاقة لها بالدين وتشريعه، مهما صوِّر الأمر ودعم بالأدلة والأقاويل. غير مفهوم أبدا الاستثمار التعليمي للفتيات الذي تفوقن فيه عدديا على نظرائهن من الفتيان في مقابل تحجيم فرص التوظيف، وفتح المجالات للتخصصات التي حصلوا فيها على الشهادات العلمية نفسها. تحدي البطالة يوازيه تماما تحدي التسوية الاجتماعية، فمطلوب أن يكونا في مسار واحد حتى لا يتحول تحدي البطالة الى كابوس على نصف المجتمع النسوي بشكل فيه تحطيم للآمال والأحلام.

السعودية تواجه بطالة اقتصادية حادة، وبدون النظر بأسلوب شمولي متكامل، فيه استخدام لكافة عناصر المجتمع، ستبقى الحلول ناقصة وبالتالي مولدة لمشاكل أهم وأخطر وأدق. النجاح المميز للمرأة السعودية في مجال الطب والتجارة وبعض المجالات المحدودة الأخرى، يجب أن يكون حافزا ومطمئنا ومشجعا لفسح المجال لها في مجالات أخرى، وهو أيضا رد حاسم وعملي للمشككين في مكانتها وقدرتها أيضا.

التعاطي مع ملف توظيف المرأة يجب أن يكون بجرعات مكثفة من إحسان الظن والتفكير الايجابي العملي، بدلا من الحساسية المفرطة المغلفة بهواجس الريبة والشك والقلق. ومن غير المعقول أن يكون التغني بتراثنا المليء بالنماذج النسائية المشرفة ممن قمن بأدوار عملية صريحة، وحين مراعاة ذلك لتطبيق معاصر يلقى الطرح الرفض والمنع.