هل يعيد التاريخ نفسه في العراق?

TT

حتى لو لم يكشف الرئيس العراقي جلال طالباني الامر علنا في الحوار الذي اجرته معه قناة «العراقية» التلفزيونية الحكومية مساء الثلاثاء الماضي، فإن نزوع رئيس الحكومة العراقية ابراهيم الجعفري الى التسلط والانفراد بالحكم ليس خافيا على النبهاء، وأنصاف النبهاء ايضا.

فقبل ان تنهي حكومة السيد الجعفري نصف عمرها القصير للغاية ( 8 اشهر) ظهرت واضحة للعيان كل الاشارات الدالة على هذا النزوع.

«السيد» ـ كما يشار الى الجعفري الان في نشرات وكالة الانباء التي تروّج اخباره وتوزعها بكفاءة ومثابرة نادرتين تحتاجهما اجهزة الدولة العراقية اشد الاحتياج للتخفيف من محنة الشعب العراقي المتفاقمة ـ يوعز الان بكل شيء ويقرر بنفسه كل شيء، صغيرا كان ام كبيرا.

«السيد» الجعفري (صدام حسين كان حريصا في بداية صعوده السياسي على تكرار لقب: السيد النائب) يقرر هو، وليست الحكومة او الجمعية الوطنية (البرلمان) او مجلس الرئاسة او منظمات المجتمع المدني، ان يقف الشعب العراقي دقيقة صمت حدادا على ارواح ضحايا واقعة جسر الائمة!

و«السيد» الجعفري، وليست الحكومة او الجمعية الوطنية او مجلس الرئاسة، هو الذي «يوعز» قبل هذا بصرف مبلغ ثلاثة ملايين دينار(من المال العام بالطبع وليس من ماله الخاص) لكل عائلة من عوائل ضحايا الواقعة.

و«السيد» يوعز هو ايضا، وليست الحكومة او الجمعية الوطنية او مجلس الرئاسة او وزارة الصحة او الهلال الاحمر او وزارة الشؤون الاجتماعية او وزارة النقل، بإرسال 300 طفل من المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة مع مرافقيهم على متن طائرة خاصة على نفقة الحكومة العراقية لتلقي العلاج في المستشفيات المتخصصة في مصر بدعم من المنظمات الانسانية الدولية.

(هذه الوقائع كلها مستقاة من بيانات صادرة عن ديوان رئيس الوزراء العراقي ـ دائرة الاتصالات الحكومية).

قبل هذا كله كان «السيد» هو الذي قرر واوعز وارسل على عجل وفداً يمثله شخصيا الى الكويت لتقصي الحقائق حول ما قيل عن تجاوز كويتي حدودي على الاراضي العراقية، من دون تنسيق مع الجمعية الوطنية او مجلس الرئاسة او الوزارات المعنية. ولما اعترض اعضاء في الجمعية الوطنية علنا بحضوره على هذا «الانفراد بالسلطة» ـ حسب تعبير الرئيس طالباني ـ لم يقبل «السيد» بالاعتراض. ولم يقل «السيد» ايضا انه كان على خطأ عندما اعترض وزراء الخارجية والدفاع والنقل على «مبادرته» في اجتماع مجلس الوزراء في اليوم نفسه، مع ان الوزراء الثلاثة اسهبوا في تقديم المبررات الموضوعية لاعتراضاتهم وفي عرض القواعد البرتوكولية والقانونية في ارسال البعثات والوفود الى الخارج، ومن هذه القواعد استشارة الوزارات المعنية لكي يكون الوفد مسلحا بالمعلومات والبيانات اللازمة وقادرا على التفاوض والتوصل الى الحلول المناسبة.

مثل هذا النزوع الى التسلط والانفراد في الحكم ليس غريبا على العراق. فحقبة حكم صدام حسين مثاله الصارخ المدمر، وصدام نفسه جسّد هذا الامر كما لم يسبقه اليه احد من الطغاة عبر التاريخ. فهل هذا التاريخ يسعى الان لاعادة نفسه في العراق؟ لكن اذا ما اعاد التاريخ نفسه ـ كما قال الفلاسفة ـ فان مأساة المرة الاولى تصبح مسخرة في المرة الثانية.

[email protected]