.. وبدأ الجد في مصر

TT

نعم كانت الانتخابات التعددية محطة جديدة في تاريخ مصر، كما جاء في عنوان صحيفتنا قبل أيام، لكن المرحلة الأهم، مرحلة الجد في تاريخ مصر تبدأ اليوم. أي بعد الانتخابات. اذ بعد ظهور النتائج والتي جاءت بفوز الرئيس محمد حسني مبارك، فان السؤال اليوم: ماذا عن الانتخابات القادمة؟ لمن ستكون؟ هذا هو السؤال الصعب!

بعض الشعارات التي طرحها المرشحون في الانتخابات الأخيرة لا تمت للواقع السياسي والاقتصادي المصري بصلة. بل إن بعضها ذكرني بفيلم لعادل إمام عندما سئل رجل يجلس على عتبة باب منزله عن رأيه فيما يحدث في الحي فقال الرجل «مش عارف.. ماخرجتش من بيتنا من أيام العدوان الثلاثي»! وابسط مثال على ذلك من كان يريد دعوة أبرز مشايخ الأديان السماوية تحت مظلة الأمم المتحدة من اجل اختيار الديانة المناسبة!

التحدي الحقيقي اليوم هو بناء مجتمع مدني قوي يستطيع فرز الشعارات الخيالية من المطالب الواقعية، وإلا فقد تصل جماعات كل هدفها السلطة، لا مصلحة المواطن المصري، والتي هي مصلحة مصر في الأول والأخير. وبالتأكيد أن مصلحة مصر الحقيقية ليست في القضية الفلسطينية، أو العراقية، أو خلافهما، مع التأكيد على أن لمصر دورا في هذه القضايا، بل في الإصلاح الاقتصادي والسياسي الداخلي للبلد. وهذا لا يعني انكفاء مصريا، فالقوة تأتي من قوة الداخل، والتمدد بلا قوة ينتهي بالانقطاع والتمزق.

ولذلك فعلى جميع القوى المصرية اليوم أن تشمر عن سواعدها من اجل بناء مجتمع مدني قوي.

صحيح أن هناك قوى على الأرض في مصر بعضها تعطل بالقدم، حيث بقيت على أفكارها القديمة نفسها، وآخر عطل بعوامل سياسية، لكن تلك قوى تتميز بمشاكسة الحكومة المصرية، لا البناء. وهناك فارق كبير بين المشاكسة والبناء. ونظرة فاحصة على نهج بعض تلك الجماعات أو الأحزاب وأدبياتها تظهر المقصود.

صحيح أن فترة طويلة من التاريخ العربي كانت تقول إن المشروعية السياسية هي لمن يتحدث باسم الإسلام والقضية الفلسطينية، لكن من الواضح أن الحكومات العربية، ومنها المصرية، تنبهت الى أن قواعد اللعبة قد تغيرت وأصبحت المشروعية أيضا في الحديث عن مصالح الناس، وأبرزها الاقتصاد، والتعليم. بينما كثير من الجماعات في العالم العربي لم يتنبه لذلك بعد. ويكفي التذكير بأن الرئيس الإيراني الجديد محمود احمدي نجاد وصل بأصوات الفقراء!

ولذلك فاليوم تبدأ مرحلة الجد في تاريخ مصر، واليوم ترسم ملامح المستقبل المصري، وعلى أبنائها أن يرسموا ملامحها المستقبلية اليوم، لكي لا يبرز مرشح قادم شعاره قطع علاقات مصر الدولية وما إلى ذلك من شعارات، فتجد القاهرة نفسها في أحضان رئيس من الستينات أو السبعينات خصوصا أننا امة تشتري الكلام دون فرزه. أقول ذلك لان قناعتي هي: إن صلحت مصر صلح العالم العربي.

[email protected]