11 سبتمبر: توالي الاستنساخ.. وأخطاء المنهج والتطبيق

TT

سؤال واحد يتقدم سائر الأسئلة مع حلول الذكرى الرابعة لزلزال 11 سبتمبر، وهو: كيف هو العالم الآن وهل أصبح أكثر أمنا؟

دعونا نسلم بداية أن أميركا قد ضربت يوم 11 سبتمبر 2001 في كبريائها بعيدا عن فواتير الضحايا، مثلما ضربت في أمنها، بل وفي عقيدتها السياسية أو قل منهجها، والتي يمكن تلخيصهما في اختزالها المخل لكل فضاءات وعطاءات نظام عالمي جديد، كان قد بدأ مخاض وعذابات التكوين مع سقوط الاتحاد السوفياتي وطرد صدام حسين من الكويت في 1991، فاختزلت واشنطن بتسرع، حمل من الغرور والتعالي أكثر مما حمل من الرؤية الشاملة، عقيدة التعاطي مع ذلك المخاض بعبارة أولبرايت الشهيرة: «نحن أمة لا يمكن الاستغناء عنها، ونحن بقامة أطول من الآخرين، ولذلك فنحن نرى أبعد منهم»، فكان أن تجلى ذلك الغرور والأبراج تحترق، مرة ثانية في عبارة الرئيس بوش الشهيرة التي تلامس كثيرا ملامح عقيدة القامة الطويلة فقال:

«من ليس معنا فهو ضدنا»، وذلك في معرض تدشينه للحرب على الإرهاب، ليجيء غزو أفغانستان في 7 أكتوبر 2001 والعراق في 20 مارس 2003 لاستئصال نظامي طالبان والبعث، فنجحت نسبيا في التعاطي مع تبعات الاجتثاث من منظورها مع حالة طالبان، فيما ظلت تسجل الإخفاق تلو الآخر مع الحالة العراقية، ولا يهم هنا إن كان ذلك من جراء الاستشارة الفاسدة أو عدم الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب، دعك عن كون أن المنهج السياسي في استئصال نظام صدام حسين كان قد بني أصلا على أن عالما بدونه أكثر أمنا من عالم هو فيه.

صحيح أن واشنطن قد تراجعت نسبيا عن تلك العقيدة الأحادية، فانحنت قليلا بعد ضغوط الرفض الرسمي والشعبي على ضفة الأطلنطي الأخرى، حيث شركاؤها الأوروبيون وظهور محور فرنسا ألمانيا الرافض، ولكن ومن عجب أن معادلة منتصف الطريق التي جاءت بها وأوروبا الى سياقات تفاهمات جديدة على نحوها المعروف، لم تجعل أوروبا ذاتها بمنأى عن الضربات الإرهابية، فكانت ضربة مدريد في 11 مارس 2004 وضربة مدرسة بيسلان سبتمبر 2004 ثم لندن في 7 يوليو 2005 ثم لندن مرة أخرى بعد أسبوعين.

والشاهد أن رسالة الإرهاب بعد 4 سنوات كاملة على تدشين الحرب ضده تقول لك إنه قد نجح في تسجيل عدة أهداف موجعة في شباك المجتمعات الغربية، فيما نجح أيضا في الانكفاء جغرافيا على محيطه القريب، فسجل عشرات الأهداف الموجعة أيضا بدءا من تركيا ولبنان والأردن ونهاية بمصر والسعودية والكويت والمغرب، دعك من العراق الذي أصبح بالفعل معملا متقدما للتفريخ والاستقطاب للعناصر الإرهابية، بل واتجه شرقا لباكستان التي شهدت عدة أعمال إرهابية والى أندونيسيا، فكانت تفجيرات بالي في 2002، وبعدها عدة محاولات فيها وفي محيطها القريب بدءا من الفلبين ونهاية باستراليا.

والشاهد أيضا أن وقفة أولية أمام خريطة العالم تقول لك، إنه يوشك أن لا تبقى فيه قارة سلمت من ضربة إرهابية، فمن آسيا واستراليا الى أفريقيا وأوروبا، لم تتبق من قارات الدنيا الست إلا الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية، التي طالتها أحداث متقطعة استهدفت معابد يهودية.

ذلك هو العالم الآن، لم يعد أكثر أمنا، إن لم يكن قد أصبح أكثر خطرا مع سيناريوهات مرعبة تحدثك عن قابلية قائمة لامتلاك الإرهابيين لأسلحة نووية، في ظل انفلات سوق ذلك السلاح بالأحاديث الممتدة عن تسريبات أبو القنبلة النووية الباكستانية، عبد القادر خان، ووجود دولة مارقة ومأزومة، مثل كوريا الشمالية.

طبيعي إذن أن يلقي مثل ذلك الواقع بمنظومة من الأسئلة، ولعل أهمها، أين كمن الخطأ في الحرب ضد الإرهاب؟ أهو في المنهج أم في التطبيق؟

الحديث هنا يطول، ولكن جماع آراء الفكر السياسي توشك أن تجمع على أخطاء فادحة في المنهج وفي التطبيق، بدليل استئصال نظامي طالبان والبعث العراقي الحاضنين للإرهاب، مع بقاء عملياته، بما يعني أن مسرح الحرب الأساسي ليس الأنظمة وإنما في الشعوب وفي عقل الإنسان، لأن فكرة الحرب إنما تنبع وتترعرع هناك، وبالتالي فهذه الحرب ليست حرب أميركا وإنما حرب الإنسانية قاطبة، والى أن يتصحح مسمى هذه الحرب بدءا، سنشهد نماذج أخرى لـ11 سبتمبر، ستصغر في حجمها بلا جدال، ولكنها في النهاية إرهاب.

[email protected]