كتائب مريم

TT

في خبر يختلط فيها حابل الوصف بنابل العصف، ويحتاج لمصفاة لتغربل فيه الصالح من الطالح، تظهر صورة نساء كشميريات في الهند، أطلقن على أنفسهن اسم كتيبة (مريم)، يتسربلن بالزي الأسود، لا تظهر منهن إلا عيونهن، يقفن فوق رأس عائلة في مطعم وقد أصابها الرعب والذل، ثم يصف الخبر فعلهن «بأنهن ينزعن لمحاربة الدعارة»!

حالما تأتي الأخبار عن تهم (دعارة)، فإن القارئ يكف عن حشر أنفه في الخبر، غير معني بما يحدث، وربما مستهجنا، لكن تفاصيل الخبر تقول إن (كتيبة مريم) متطوعات يداهمن منازل لها حرمتها، ويقفن فوق رأس زوج وزوجته في مطعم يتوسط المدينة، في وضح النهار، ويطردنهما، ويهاجمن محلات الانترنت، ويصدرن أوامر لأصحابها بغلقها، بحجة أن الزبائن يجلسون مختلطين، ذكورا وأناثا، كما أن التفاصيل تقول إنهن قد قمن برش وجوه النساء السافرات بالدهان، وحين قامت الشرطة بالقبض عليهن، تعهدت للناس بعدم عقابهن، بل إعادة تأهليهن لإقناعهن بأن ما يفعلنه مخالف للقانون.

ويبدو أن السبب هو ما وصف به كتيبة مريم، بأن أفعالهن تلقى قبولا من كثير من الناس، من دون أن تكشف كتيبة مريم عن مصادرها في قياس اتجاهات الرأي العام نحو دورها، إلا إذا كان، حسب ما وصفناه سابقا، خوف كل مجتمع من كل من يأتي على سيرة الدعارة، حتى لو قش محاربوها في طريقهم حقوق الإنسان وكرامته، التي كفلها الله ثم القانون للبشر، من حرمة وستر للعورات واحترام للعقل والإرادة، حتى لو رشت كتيبة مريم في طريقها وجوه نساء سافرات يقفن في محطة باص، أو طردن شابا يجلس في محل انترنت، فشعار محاربة الدعارة يبرر كل وسيلة.

يتحمس بعض الناس لمثل هذه الأفعال ويقبلونها، وفي أضعف الإيمان يصمتون حيالها، وأكثر ما يقود الناس للسكوت، هو تخويفهم إذا ما حاولوا فتح حوار حول مشروعية هذه الاعمال وتهويل دورهم، وتهديد المجتمع بالانهيار إن لم تقم (كتائب مريم) واخواتها بحمايتهم، فالمجتمع لولا تدخلاتهمن ومداهماتهمن لكان غارقا في المخدرات والشذوذ والدعارة، والناس من دون كتائب مريم بلا عقل ولا دين ولا أخلاق، وكأن الأمر يقتصر على تفتيش خبايا الناس ونياتهم المستترة، وليس منظومة من المبادئ والقيم التي تقوم على أساسها القوانين والسنن والضوابط، وترأسها أعلى سلطة في الدولة، ومن مسؤوليتها محاربة الفساد والغش والتزوير، منتهية بأبسط مسؤولية للمواطن في الشارع، كإماطة الأذى عن الطريق. في البحرين مثلا، واستجابة لمطالب بعض النواب أقامت وزارة الشؤون الاسلامية لجنة أطلقت عليها اسم (الإرشاد) ليس لها سلطة بل تقوم بالإرشاد والتوجية، وعلق الوزير على دورها قائلا: «انه لا يميت فكرة الأمر بالمعروف، ولكنه يقدم في نفس الوقت ما يتناسب مع العصر الذي نعيشه في معطياته ومتغيراته على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية، بعيدا عن حساسية فكرة الوصاية التي لم تعد مقبولة أو مستساغة من أحد، على اعتبار أن الأمور العبادية مناطة بكل مسلم من دون إكراه أو ضغط عليه من اشخاص أو جهات»، واضيف من عندي ومن دون رش الدهان على وجوه الناس!

[email protected]