كاترينا..الأسئلة التي لم تطرح

TT

العدسات التي لاحقت وجوه الضحايا والناجين من إعصار كاترينا الذي ضرب ولاية لويزيانا وتحديداً مدينة نيو أورلينز أبرزت من دون تعمد حقيقة لا لبس فيها.. معظم الضحايا والمصابين في أسوأ كارثة طبيعية تضرب الولايات المتحدة الأميركية هم من السود الفقراء والمهمشين. لقد تابع ملايين الأميركيين ومعهم العالم بذهول ورعب صور الجثث العائمة وحشود المرضى من العجزة والأطفال السود المكدسين ينتظرون يائسين إغاثة لم تصل، كما تابعوهم وهم يموتون مباشرة على الهواء. حكايات كثيرة نقلتها الصحافة عن مدينة نيو أورلينز التي بناها مهربو الخمور وتجار الرقيق والقراصنة. المدينة الفقيرة إلى حد بات من الصعب على سكانها أن يخططوا للمستقبل، لذا قرر كثيرون منهم البقاء ولم يهربوا بعد الإنذار بالإعصار إما من شدة الفقر وإما لانعدام خيارات الهروب. لويزيانا أفقر الولايات الأميركية والتي يسكنها 67% من السود طرحت مجدداً معضلة الماضي العنصري الذي يبدو أن الأميركيين لم يتجاوزوه بشكل كامل بعد. فما شاهده الأميركيون والعالم لم يكن مجرد اعصار أو كارثة طبيعية.. ما نقلته الشاشات الأميركية والعالمية كشف انقساما طبقيا وعرقياً.. كيف للبلد الأقوى في العالم أن يعيش في داخله عالم ثالث تعجز فيه فرق الإغاثة عن الوصول في الوقت المناسب!

منذ أن ضرب الإعصار تدور نقاشات حول كيفية تغطية الإعلام الأميركي وخصوصاً المرئي لهذه الكارثة.. معظم الشبكات التلفزيونية تابعت الحدث من زاوية فشل تدارك الاعصار واحتواء آثاره الانسانية والمادية، لكنها في المقابل تجاهلت في تغطيتها سؤالاً بدا بديهياً يتعلق بعرق الضحايا وطبقاتهم الاجتماعية. بعض الصحف ووسائل الإعلام استعملت عبارة «لاجئين» في وصف الناجين من الإعصار لكن سرعان ما استبدلت الكلمة بعبارات أخرى بعد أن أثار هذا التعبير حساسية لدى أوساط السود معتبرين أنه تعبير يضعف من أميركيتهم التي خاضوا نضالاً طويلاً لانتزاعها ويضعهم في مصاف بائسين كثر في العالم. عدد من الهيئات والمؤسسات المعنية بتتبع قضايا الإعلام الأميركي ودراسة توجهاته أجرت مراجعة لتغطية الشبكات الكبرى الأميركية لمسألتي العرق والطبقات الاجتماعية في تغطيتها للإعصار فتبين أن هاتين النقطتين تم تناولهما بشكل عابر ونادر في آن. بدا واضحاً أن هناك حذراً عاماً من إثارة مسألة على هذا القدر من الحساسية في أميركا. فأميركا وبقدر ما لهذا البلد من قوة وما يعيشه من حداثة إلا أنه وفي الوقت نفسه يعاني من هشاشة وضعف يمكن بسهولة تلمسهما من خلال ما أظهره إعصار كاترينا وما رأيناه من صور ومشاهد معبرة للواقع الذي يعيشه الأميركيون من أصل إفريقي. ما أغفله الإعلام الأميركي على شاشاته وصحفه تفجر رسائل وآراء متطرفة عبر مواقع الحوار و«البلوغ» عبر الانترنت. الحساسيات الكامنة ضد الآخر، والآخر هنا هو الأميركي من أصل أفريقي، وجدت منابر عكست صورة لا نراها كثيراً عبر الشاشات ولكن غالباً ما كانت أصداؤها تتردد.

مأساة الإعصار لم تطو بعد وهي من دون شك ستحل خلال أشهر, لكن ما كشفته هذه المأساة من هشاشة هي أعمق من أن تتمكن وسائل الإعلام من تجاهلها.

diana@ asharqalawsat.com