إن هنأوك فلست مهنئا

TT

اهنئه؟ لا اهنئه! اهنئه؟ من الواجب أن أفعل ذلك!

فماذا أقول له، هل أذهب إليه، هل أبعث ببرقية، هل بباقة ورد، هل بعلبة شيكولاتة، هل بزجاجة عطر، هل أقيم له حفلة أجمع فيها الأصدقاء، هل أكتب عنه، وتكون الكتابة حفلة علنية يشترك فيها ويتفرج عليها الملايين!

وجاءني ماداً يده يهنئني أنا، وأدهشني ذلك، قال: أنا تلميذك، فإن كنت قد حققت شيئاً فأنت السبب، أنت رسمت الطريق، أنت قدمت النموذج الناجح للانسان كيف يكون جاداً، صابراً، مثابراً، وكيف أن القراءة تفيد، وأن التأمل ينعش، وان القرب من المثل الأعلى هو أعظم سياسة، فقد انتقلت العدوى منك إليك!

وقلت: لا، غير صحيح، وإنما أنت موهوب، وانت تعرف ماذا تريد، وأنت ناجح سياسي، وأنا لست سياسياً، صحيح أنا عضو في حزب وأمثله في مجلس الشورى من 23 عاماً، ولكني لست سياسياً وإنما أنا مشتغل بالفكر السياسي. وأذكر أن الرئيس السادات قرأ لي مقالاً، فقال: جميل بديع، ولكن أنا لا قدرة لي على هذا النوع من التفكير، فهو كلام جميل، وتوليد المعاني من المعاني شيء عظيم، ولكن أعظم من ذلك أن تقول لي: ماذا تعمل في احدى المشكلات، ما الحل، قل لي ما الحل، ولا تحدثني عن الطريق إلى المشكلة ولا وزنها وطولها وعرضها وعمرها، لا، قل: كيف أقضي عليها ولا تضيع وقتي في التأمل والتجمل!

والسادات على حق، لأنه ليس مفكراً سياسياً، وإنما هو زعيم سياسي، هدفه: الحل، هدفه: العلاج، فهو مشغول بالطب العلاجي وليس بالطب الوقائي، ليس بالتشخيص وإنما بإجراء العمليات وبسرعة!

ثم قلت لصديقي: انت أكثر من ذلك، وانت تستحق ما هو أعظم، ولم أجد ما أقوله سوى ما قال الشاعر حافظ ابراهيم للشاعر شوقي عندما منحوه لقب (البكوية)، قال حافظ:

إن هنأوك بها فلست مهنئا

إني عهدتك قبلها محسودا