كاترينا ومونيكا

TT

هل ستؤثر كاترينا على ادارة بوش بنفس الطريقة التي ادت بها مونيكا الى تآكل شرعية ادارة كلينتون؟! وما هي الظلال التي تلقي بها كاترينا على تعاطي ادارة بوش مع ملفات الشرق الأوسط؟

اتمنى الا تقرأ المقارنة بين تأثير فضيحة مونيكا لونسكي على ادارة كلينتون وتأثير اعصار كاترينا على ادارة الرئيس بوش على انها استخفاف بالحدث، فالحقيقة هي ان الحدث جلل وان عدد الضحايا مروع، يذكر بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي مرت ذكراها بالأمس، حيث يخيم الحزن على ارجاء الولايات المتحدة، فكما كان الحال في الحادي عشر من سبتمبر ذلك العمل الذي نفذته قوة الظلام والشر هو نفس الحال مع اعصار كاترينا الذي كان نتيجة لقوى الطبيعة، في كلتا الحالتين كان الضحايا هم اناس عاديون يسعون في الارض من أجل تكسب لقمة العيش ومن أجل غد اكثر اشراقا او اقل ألماً، لكن تبقى مسألة الثمن السياسي الذي ستدفعه ادارة الرئيس بوش، نتجه لما رآه الأميركيون على انه تأخر وكذلك تقصير في التعامل مع حدث متوقع، فربما يغفر الأميركيون لادارة بوش عدم قدرتها على توقع احداث الحادي عشر من سبتمبر، ولكنهم لن يغفروا للادارة عدم جاهزيتها في التعامل مع اعصار توقعت الارصاد قوته، كما توقعته الادارات الأميركية المختلفة، خصوصا في حالة مدينة نيو أورليانز، والتي تقع في مستوى اقل من مستوى سطح البحر، شيء اقرب الى حالة مدينة اريحا في الاراضي الفلسطينية.

الاعلام الأميركي وربما لأول مرة ظهر غاضبا وكاشفا ومكاشفا لهذه الادارة وعيوبها، اذ «غسل» تيد كويل في برنامجه «نايت لاين» المسؤول عن الاغاثة الأميركية مايكل براون، كما لم ترحم البرامج التلفزيونية الاخرى الرئيس بوش نفسه، اذا قال المعلق الساخر «جون ستيوارت» ان اعصار كاترينا «يتطلب من الفرد الابتعاد عن الحدث ليكوّن رأيا موضوعيا عنه، واظن ان رأي الرئيس بوش يعتبر الاكثر موضوعية لانه بالفعل كان بعيدا عن الحدث». هذا النوع من السخرية والتقريع كان سمة اساسية في التغطية الاعلامية الأميركية للاعصار الذي دمر ثلاث ولايات بحجم المملكة المتحدة.

والذين يعرفون المجتمع الأميركي يدركون مقولة ان «السياسة دائما محلية» فبنفس الطريقة التي غطى بها اعصار مونيكا لونسكي، وهو اعصار اقل خطرا على المجتمع الأميركي، على كل اجندة الرئيس كلينتون الخارجية، نجد اعصار كاترينا يطغى على اجندة بوش الخارجية.

اذ لم نسمع شيئا عن العراق في تلك الفترة او افغانستان او حتى عن اسامة بن لادن، فالتغطية الاعلامية من الصباح حتى اليوم هي عن الاعصار وعن الضحايا وعن المهجرين والنازحين والباحثين عن المأوى، سيل من القصص الصحافية ذات القيمة العالية والمعروضة بإتقان يجعل المشاهد يبكي كما يغذي فيه الحقد على الحكومة الأميركية وعلى ادارة بوش تحديدا، مما دفع الرئيس نفسه ان يعلن انه غير راض عن اداء اجهزة الحكومة الفيدرالية في التعاطي مع الحدث.

اذن بنفس الطريقة التي غيبت بها مونيكا مبادرات كلينتون لحل الصراع العربي الاسرائيلي وحددت من قدرته في بناء اجماع أميركي يؤيد هذا الحل، نجد ان اعصار كاترينا اخذ الرئيس بعيدا عن قصة الدولتين (الفلسطينية والاسرائيلية) اذ انه وبحسبة بسيطة استطيع القول بأنه لم يتبق لدى ادارة بوش وقت كاف لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية، الا اذا تبنت فكرة ديفيد ارون ميلر القائلة بدولة فلسطينية بحدود مؤقتة، وحتى هذه أشك فيها الآن.

الادارة الأميركية الآن محاصرة بالضغط الداخلي وحالة من الغضب وسؤال مسيطر على كل أميركي اليوم، وهو كيف يحدث هذا في أميركا؟!

سؤال آخر مهم ومتداول يقول كيف لنا ان ندعي القدرة على اصلاح العالم وليس لدينا القدرة لاصلاح حالنا داخليا؟! هذه الاسئلة ستأخذ جزءا كبيرا من مجهودات الادارة لانقاذ سمعتها وكسب ثقة المواطن الأميركي مرة اخرى.

كما ان الوضع في فلسطين واسرائيل لا يساعد الادارة في اتخاذ اي خطوة ايجابية، اذ ان سخرية القدر الآن وضعتنا جميعا بين خيارين احلاهما مر، كما يقول الكليشيه الدارج، بين شارون ونتنياهو، سخرية القدر ربما تدفع الفلسطينيين انفسهم الى تأييد شارون في حملته ضد نتنياهو، ربما كثير من العرب يجدون انفسهم يفضلون شارون على نتنياهو. هذا الوضع المختل والمشوش يجعل من فكرة الحل فكرة صعبة المنال.

امام الرئيس شهور حتى يتعافى من آثار اعصار كاترينا، وامامه ايضا شهور كي تظهر حكومة في اسرائيل، اذن نحن بصدد عام كامل حتى نتحدث عن موضوع الدولتين مرة اخرى، ويتبقى من الوقت بعد ذلك عام آخر يكون فيه الرئيس بدون قوة مؤثرة كالبطة العرجاء، كما يسميه الأميركيون، لتبدأ حملة اختيار رئيس جديد للولايات المتحدة بعد ذلك.

ومن هنا يكون اعصار كاترينا على الاقل له نفس التأثير على ملف الشرق الأوسط بنفس الدرجة التي اثرت فيها مونيكا لونسكي على اداء ادارة كلينتون، كلينتون لم يكن لديه التأييد الأميركي كي يضغط على ايهود باراك فضغط على الفلسطينيين اكثر حتى رفضوا العرض، وبذلك برّأ كلينتون ذمته قائلا ان عرفات هو الذي رفض العرض السخي. الحقيقة كانت هي ان كلينتون ليس لديه من الرصيد السياسي ما يجعله يمرر مبادرة بالحجم الذي طرحه آنذاك، فهل تترك كاترينا للرئيس بوش رصيدا سياسيا يجعله يستطيع تحقيق حلم الدولتين..

لدي شك كبير في هذا..