قضائيات

TT

يركز الخطاب الاصلاحي الحديث في السعودية بشكل أساسي ومكثف على موضوع رئيسي وهو التعليم، والسبب واضح بطبيعة الحال حيث ان مخرجات التعليم تؤثر بشكل كبير على السوية الاجتماعية والقدرة الانتاجية للأفراد داخل البلد الواحد. ويبدو أن الساحة المرشحة القادمة للخطاب الاصلاحي سوف تكون القضاء، ولعل أهم الأصوات البارزة والمتألقة في هذا المجال هو الشيخ عبد المحسن العبيكان، والذي نادى ولا زال ينادي، بأهمية وضرورة تقنين الأحكام الشرعية بمراجعة دقيقة منعا للضرر والفوضى التي قد يسببها عدم حدوث ذلك. وواجه الشيخ ولا زال نقدا وهجوما شديدا من «البعض» الذي لا يرغب في هكذا تعديل، ولكن الأمر بات لا يتحمل المجاملات أبدا. وتقنين الأحكام الشرعية مطلب حيوي وبالغ الأهمية ويأتي مكملا لنظام المرافعات الذي أقر مسبقا بعد شد وجذب غير بسيط، وتحفظ من شريحة عريضة من العاملين في المجال القضائي، إلا أن المصلحة العامة كانت تقتضي الإقرار به والعمل به بعد تزايد الشكوى من الأسلوب الإداري والطريقة التي كانت تسير بها الأمور.

ومن الملفات المرشحة للتداول والبحث على الساحة القضائية الملف المعني بمنظومة الأحوال الشخصية وتداعيات حالات الزواج والطلاق، والإرث وما يتبع كل ذلك، بدليل ما تشاهده المحاكم المحلية من حالات مأساوية فيها التناقض نتاج غياب التنظيم الذي يسهل الاجراءات المطلوبة، ويراعي المصالح العليا والدنيا. القضاء في السعودية بعد أن كان «منطقة محظورة» وممنوع التداول فيها، بات موضوعا ممكن التعاطي فيه والحديث عنه، مثله مثل الشؤون العامة الأخرى مع الاعتراف بأهميته وخطورته أكثر من المواضيع الأخرى.

ونقاط «الاصلاح» في المشروع التطويري للقضاء السعودي التي يطلقها الشيخ عبد المحسن العبيكان بين الحين والآخر، بحاجة لدعم ومشاركة عامة بحيث لا يصبح طرحه وحيدا، لأن ما يقدمه الشيخ العبيكان من أفكار هي في الواقع انعكاس للعديد من التوجهات والاقتراحات والآراء التي تصب في نفس الاتجاه الاصلاحي والتطويري للقضاء السعودي.

هناك أصوات أخرى موجودة على الساحة وهي معنية بصورة أو بأخرى بشأن الاصلاح القضائي، لدعم توجه الشيخ العبيكان، وتصب جميعها في المصلحة العامة، وفتح أبواب الحوار معه ليثقف المجتمع ويرفع درجة الوعي لديه، وبالتالي ليصبح قادرا على التلقي ومن ثم متابعة التنفيذ حين اعتماد الرؤى الجديدة. القضاء السعودي على موعد مع تغيير وتطوير واصلاح آن أوانه وطال انتظاره، ومن المطلوب مراعاة الأصوات العاقلة التي تدلي برأيها في هذا المجال، حتى لو جاءت من خارج المنظومة القضائية الرسمية نفسها. ولعل مثال الطرح «العبيكاني» أبلغ دليل على ذلك.