تحية العلم

TT

كنت أتصفح قائمة الطعام في مطعم، على جبل أهدن الشمالي في لبنان، وأبحث عن طعام طيب من دون أن آبه بتلك الضجة الكبيرة حولي، لحشد كبير من المدعوين، الذين قال عنهم النادل إنهم فريق كبير من موظفي منظمة الصليب الأحمر، تقيم حفل غداء في المطعم. رأيت سيدة واقفة تنحني على رأس ابني، ولا تأبه لي أنا، فقد أدركت ربما أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وقررت أن تنبه ابني ما فاته من آداب مخالطة الشعوب، لا سيما العربية، وأن لا يقلد والدته الجاهلة بها، والتي لم تفلح في تعليمه، ما تخطاه ذوقها وأدبها، قالت لابني:

ـ يا بني، نحن الآن واقفون كلنا لتحية العلم اللبناني والسلام الوطني يعزف، ولو جئتكم يا ولدي في زيارة لبلادكم، لكنت وقفت حين أسمع السلام الملكي، أؤدي معكم تحية العلم الوطني، هذه يا بني من آداب الاحترام والتقدير!

وقف ابني، وأحطت علما بما حدث، شعرت بالإحراج، وهممت أن ألحق بالسيدة رئيسة الحفل لأعتذر، لكنني لم أعرف بالضبط ما أقول لها، معتذرة عن لا مبالاتنا حين يمر السلام الوطني من دون أن نفطن لما يتوجب بحضرته؟!، هل أقول لها: إننا ـ ياسيدتي ـ في بلادنا، نخوض معركة حتى اليوم، قذائفها تنطلق باتجاه شيخ وقور، أكد وجوب احترام تحية العلم. هل أقول لها ألا تؤاخذ أبنائي لأن بعض مدرسي وزارة التربية لدينا، عاندوا ذات يوم وفي حضور وزيرهم، القيام لتحية العلم، مدعين أن الوقوف احتراما للعلم، هو ضرب من التقديس المحرم لا يجوز؟!. هل أقول لها إن جدلنا اليوم حول تحية العلم يستنكره البعض، وخاصة من المربين والمعلمين، الذين ينكرون هذه المراسم الوطنية، وأن منسقي الحفلات الرسمية، يتحاشون البدء بالسلام الملكي، حتى لا يضعونه موضع لامبالاة يتعمدها البعض استنكارا وتحريما، واتهاما بالخروج عن التقاليد الإسلامية.

لكنني عدلت، فالشق كما يقولون أكبر من الرقعة، وانصعت لموقف تأديبي جعل مني قاصرة لا تفهم في الأصول، واحترام قواعد وآداب الآخرين، وها نحن عائلة كاملة، تعلمت أنها لا تعيش وحدها في هذا العالم، وأنها تدفع ثمن محاولات البعض لتجهيل مجتمعها وتشويش آداب حضارية، تشترك فيها المجتمعات، ليس أهمها تحية العلم، لكنها عنوان تأدبهم وتحضرهم. فتحية للعلم!.

[email protected]