ذكرى وواقع

TT

أربع سنوات مضت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والعالم لا يزال يحلل ويتباحث في تبعاتها في محاولة لايجاد تفاسير مقنعة لما حدث. الغرب يتساءل «لماذا» حدث ما حدث؟ والعالم الاسلامي يحاول معرفة «كيف» حدث ما حدث . اليوم بات الغرب بأسره معنيا بتوابع الحادي عشر من سبتمبر وأحداث مدريد ولندن، بات شاهدا على ذلك. والعالم الاسلامي معني أيضا مع تعدد جنسيات المشتركين في العمليات الارهابية المختلفة، وإن كانوا جميعا ينتمون لذات الفكر المكفر والمنفر والمفرق والمرهب.

واليوم يجري الحديث ، وإن كان بخجل وتردد، عن موضوع التقريب بين المذاهب. فالبحرين أسست مجلساً يعنى بشأن التقريب بين المذاهب فيها، والأردن عقد مؤتمرا مهما لنفس الغاية شارك فيه أهم علماء العالم الاسلامي. والازهر في مصر يكثف، في جامعته ولجان الفتاوى فيه، المقاربة بين الآراء الموجودة بين أهل السنة والجماعة، وهي الغالبية العظمى من العالم الاسلامي، والمغرب يقوم اليوم بجهد في غاية الأهمية في نفس المجال محدثا تطورات منهجية جادة سيجني ثمارها في القريب العاجل.

وحتى في السعودية، قلب العالم الاسلامي، بدأت المطالبة الشعبية بأهمية وضرورة السعي للتقريب بين المذاهب بصورة تطبيقية، وبحيث يصبح الرأي السلفي ورأي أهل السنة والجماعة ذا طابع شمولي أكبر، ولا يحصر في أتباع رأي واحد أو مجموعة حصرية من العلماء والمشايخ. ولم يعد غريبا سماع آراء مختلفة ومتجددة داخل التيار السلفي التقليدي، أمثال عبد العزيز القاسم وأحمد الفراج وأحمد بن باز، وهي أصوات شابة جريئة تقدم الخطاب المتسامح والميسر والمتخصص بشكل مغاير وجميل. ولم تقتصر الأصوات الفاعلة والمجددة في داخل المذهب الحنبلي وحده، بل برزت أصوات أخرى كالشيخ قيس المبارك، سليل الأسرة العلمية العريقة بالإحساء ذات المذهب المالكي، والذي باتت كتاباته تحمل الطابع الجديد والآراء المتسامحة. وفي المذهب الشافعي يبرز الشيخ عبد الله فدعق سليل الأسرة العلمية العريقة من مكة المكرمة، والذي باتت دروسه وحلقاته مضرب الأمثال في الفكر المتسامح والدعوة السلسلة للشباب بشكل فاعل.

وهذا النوع من النماذج مرشح للازدياد مع استمرار الانفتاح الثقافي في البلاد، وتعرف الناس على الثراء الموجود على أراضيهم من فكر وثقافة دينية، إضافة للتبادل الحاصل نتاج الانفتاح الاعلامي الكبير والذي يسمح بمراجعة الآراء والتعرف على وجهات نظر جديدة أو مجددة. من مبدأ الحكمة الإلهية العظيمة التي تقول:«وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم»، والقول المأثور (رب ضارة نافعة)، يراجع العالم الاسلامي حساباته ويحاول اخراج الاورام السرطانية المتمثلة في الافكار المتشددة من واقعه.

التقريب بين المذاهب الاسلامية لم يعد من الممكن استمرار التعاطي معه على أنه «فكرة جميلة» فقط، ولكنه نهج يسعى اليه عمليا ويطبق فعليا. فاذا كانت الاصوات في مختلف بقاع الأرض تنادي بضرورة فتح حوار الحضارات كخيار بديل لطرح صراع الحضارات، فمن الأولى أن تكون هناك حالة من الصلح والتراضي مع الذات في داخل العالم الاسلامي نفسه. وليبدأ أهل السنة والجماعة في هذا الأمر وليطرحوا أرضية جديدة للبناء عليها، وخصوصا أن الفروق بين الفروع المذهبية الرئيسية بسيطة، حتى لو تم «تكفير» بعض منهم في فترات تاريخية كان فيه التعصب والجهل هو السائد.

الحادي عشر من سبتمبر وتبعاته فرصة جوهرية للعالم الاسلامي ليفكر في التقريب بين مذاهبه، وتطوير آلية الاجتهاد وليصلح ما أصابه من مآسٍ ومشاكل، تسبب بالكثير منها أتباع آراء بالية وفكر خاطئ وقراءة منقوصة لدين يصلح لكل زمان ومكان، والأهم أنه يصلح «للعالمين» وليس لفئة أو مجموعة بعينها. المجهود الواضح الذي يحصل على الساحة الاسلامية عموما، وليس فقط في الدول العربية من العالم الاسلامي، مرشح أن يفرز النماذج التي ستولد القدوة التي طال انتظارها. وكما حدث في عالم الاقتصاد ستكون المفاجأة قادمة من ماليزيا عبر مشروعها الذي يتبناه رئيس وزرائها عبد الله بدوي عبر فكرته عن «الاسلام الحضاري» وهي رؤية عظيمة يجب دعمها وتقليدها.