القـمـة العـربيـــة ... القضايا السياسية أولا أم الاقتصادية ؟

TT

الصراع قديم بين السياسة والاقتصاد. ويرى الأغلبية من القادة السياسيين في الدول النامية والأقل نمواً أن السياسة هي العربة التي تجر الاقتصاد. وبناء على هذا المفهوم وهذا التوجه تعيش اقتصادات بعض من الدول النامية حالة تأرجح بين صعود وهبوط والبعض إلى انهيار. وتركز هذه القيادات على توجيه الاقتصاد حسب الرؤية السياسية الداخلية والخارجية.

ويذهب البعض إلى رسم سياسة اقتصاد بلادهم حسب التوجهات السياسية. أما الدول المتقدمة وعلى وجه الخصوص الدول الصناعية فتضع الاقتصاد مكان العربة التي تجر السياسة خلفها. لا بل توجه الخطط السياسية حسب اتجاه العربة الاقتصادية وتعالج قضاياها السياسية من خلال خططها الاقتصادية حتى أصبح الاقتصاد هو القوة الأولى في العالم، ويأتي في مقدمة عناصر القوة في العالم وقبل القوى العسكرية، وأصبح استخدامه كوسيلة ردعٍ وجزاءٍ وعقابٍ وقوةِ تطويعٍ وإقناع، بالإضافة إلى مساهمته كقوة لمعالجة العديد من القضايا السياسية. ونحن في العالم العربي نكاد نكون نموذجاً لتلك الدول التي تُقدم القضايا السياسية على القضايا الاقتصادية، وإن كانت هناك محاولات من البعض منها لتغيير سياساتها وتقديم الاقتصاد كآلية لتوجيه سياستها الخارجية إلا أنها ما زالت محاولات متواضعة. وينعكس ذلك التوجه الخاص بالتركيز على القضايا السياسية قبل الاقتصادية على ممثلي هذه الدول في المنظمات الدولية والتي يغوص ممثليهم في قضايا سياسية وتتمركز جميع الجهود للأعضاء الممثلين العرب لقضية واحدة ويهملون بعضا من القضايا الاقتصادية والفنية التي تعتبر من أهم القضايا التي تسهم في دعم التوجهات السياسية، وينشغل الممثلون والمندوبون العرب في قضية واحدة رغم أهميتها لنا إلا أننا نقع في فخٍ يرسم لنا يقصد به إبعادنا عن لعب دور هام في بعض من القرارات الاقتصادية الدولية أو بعض من القرارات الفنية الإستراتيجية. وهي قضية نعيشها في العالم العربي وآثارها تنعكس على سياساتنا الإعلامية حيث توجه أغلب الوسائل الإعلامية المقروءة أو المرئية إلى الإعلام السياسي والفني والأدبي، وتُهمل القضايا الاقتصادية. ولا يُعتنى بالاقتصاد والقضايا الاقتصادية إلا في الكوارث الاقتصادية. وتعقد المؤتمرات والندوات والمنتديات العربية المحلية والإقليمية العامة وعلى رأسها القمة العربية ومحور اهتمامها قضية أو قضيتيان من القضايا السياسية الأساسية، التي تتطلب حشد جميع الطاقات وعلى رأسها الاقتصادية لدعم أحد هذه القضايا. وتُهمل القضية الاقتصادية التي تستند اليها جميع القضايا السياسية ويدرج موضوع الاقتصاد كأحد البنود الثانوية أو المكملة رغم أنني أراه البند الرئيسي في أي قمة عربية. فدعم القضية الأساسية، قضية فلسطين، في القمة العربية الأخيرة موضوع لا نختلف فيه ونصر عليه والمطالبة بدعم هذه القضية اقتصاديا يتطلب التركيز على الاقتصاد العربي وخطط تطويره ودعمه كموضوع إستراتيجي وكركيزة أساسية لدعم القضية الأولى في العالم العربي (القضية الفلسطينية). إن المتتبع لوضع الاقتصاد العربي في جميع الدول العربية يلاحظ أن الاقتصاد العربي يمر بأزمة استقرار اقتصادي وحالة تأرجح بين صعود وهبوط وذلك نتيجة حقل التجارب المتبع في تطبيق بعض السياسات الاقتصادية ونتيجة عدم وجود التكامل الاقتصادي العربي ونتيجة اختلاف الأنظمة والقوانين الاقتصادية بين الدول العربية. ونتيجة القلق والخوف والتخوف من اتخاذ قرارات جريئة تساهم في توحيد الأنظمة وفتح الأسواق وتحرير الصادرات من المعوقات الجمركية وتحرير انظمة الاستثمارات العربية من جور حرمة الضرائب على اختلاف أشكالها، ومن التعقيدات الإجرائية واللوائح المقيدة.

إن تجاهل القضية الاقتصادية كقضية أساسية ذات المرتبة الأولى سوف يسهم في إضعاف موقفنا نحو دعم قضيتنا السياسية الشرعية (القضية الفلسطينية).

كما أن قضية العمالة العربية قضية أساسية وقنبلة موقوتة، وإذا لم نضع سياسة موحدة وعاجلة لتحويل البطالة إلى عمالة منتجة داعمة لاقتصاد بلادنا، فستكون القضية السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأولى في العالم العربي هي (قضية البطالة) وان تفاقم المشكلة في هذه القضية سيحول اهتمام القادة العرب في يوم من الأيام إلى معالجة هذه القضية قبل أي قضية أخرى.

لقد تابعت وبألم الوضع الاقتصادي في أغلبية الدول العربية حتى الغنية منها (دول الخليج) والتي لولا سياستها البترولية الناجحة لما وصلت إلى مرحلة تغطية العجز في ميزانياتها وسداد ديونها بعد أزمة الخليج في التسعينات.

ولولا هذه السياسة البترولية الناجحة التي قادتها المملكة العربية السعودية لعانت هذه الدول معاناة اقتصادية كبيرة كانت ستضعها عاجزة عن القيام بدورها الداعم للقضايا العربية. وكم كنت أتمنى أن تعقد قمة عربية مخصصة لبحث الوضع الاقتصادي العربي ووضع خطط وسياسات تسهم في دعم وتقوية الاقتصاد العربي كذراع قوي داعم للقضايا السياسية، ويكون موضوع البطالة في القوى العاملة العربية هو الموضوع الرئيسي الثاني في القمة القادمة. وإذا كنا نريد الالتزام بوعودنا والتزاماتنا المالية تجاه قضايانا السياسية فلابد أن نتأكد بأن اقتصاد دولنا قادر على الاستمرار على الالتزام بالوعود القادمة.

* كاتب سعودي