أحزاب الكثافة الثقافية

TT

رغم ان اسمه «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، الا انك لا تستطيع الا ان تلاحظ ان حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي الذي يعقد مؤتمره العام غداً كان بشكل أو بآخر حزب مثقفين، وهذه الصفة لا تطال القيادات انما القواعد أيضاً.

ولظاهرة الكثافة الثقافية، في الاتحاد الاشتراكي المغربي، ومعظم الاحزاب اليسارية العربية اسبابها المعروفة تاريخياً، فقد رفع اليسار العربي التقليدي شعار ديكتاتورية البروليتاريا والشعارات الشبيهة به دون ان يكون في العالم العربي طبقة عمالية منظمة على غرار الطبقة التي تشكلت في اوروبا بعد نصف قرن على بزوغ فجر الثورة الصناعية.

وفي مثل تلك الظروف كان طلاب الجامعات والمحامون والمعلمون والاطباء والمهندسون والصحافيون هم الذين يملأون قاعات الاجتماعات في الأحزاب اليسارية، فقد كان اليسار في أزمنة الرغبة الجامحة في التغيير السريع هو الملاذ الحقيقي لتلك الفئات المتعلمة والمثقفة التي نابت عن العمال والفلاحين في النضال السياسي.

وتتميز تجربة المغرب والى حد ما تونس بأن النقابات فيهما كانت على الدوام قوة سياسية يحسب حسابها، وكانت قياداتها وهي ليست بالضرورة عمالية أو فلاحية هي التي تمسك بالتوازنات داخل احزاب اليسار، وانطلاقاً من هذه الخلفية تمت قراءة اعادة انتخاب الزعيم النقابي المغربي نوبير الأموي في قيادة الكونفيدرالية الديمقراطية للعمل في المغرب على انها تجديد ثقة من القواعد بالقيادات وتسوية مبكرة وموافقة ضمنية على خط رئيس الوزراء المغربي عبد الرحمن اليوسفي.

ولا بد من الاتفاق على أن الأمور ليست دائماً بهذا التبسيط، فداخل الاتحاد الاشتراكي المغربي معارضات ملحوظة لهذا الخط الرسمي والاعلام المغربي صارت له ثارات مع حكومة اليوسفي التي اغلقت الصحف بسخاء منقطع النظير بعد حادث الرسالة الشهيرة لأحد القادة التاريخيين للحزب عن دوره في انقلاب أوفقير.

واذا أضفت الى ذلك الاعتراضات المبكرة التي قدمها اعضاء الحزب من العيون والمحافظات الصحراوية وزعموا فيها ان محاولات تجري لابعادهم عن المشاركة في مؤتمر الحزب الذي ينطلق غداً تدرك انه لن يكون مؤتمراً مريحاً على الاطلاق للقيادة الحالية خصوصاً اذا اصرت بعض الكوادر على مناقشة جدوى تحمل مسؤولية حكومة التناوب في ظرف ترتفع فيه موازنات الإنفاق العسكري وتعود الى الاجواء مناخات تجدد الصراع مع الجيران في ظل غياب حل واضح لمشكلة الصحراء. ومقابل هذه الصورة القاتمة تستطيع حكومة اليوسفي وقيادته الحزبية ان تشهر ميزة الاستقرار الذي حققته للبلاد وان تلوح بسجلها شبه المشرف لحقوق الانسان، ففي عهدها تمت محاسبة ضباط كبار في الداخلية عن انتهاكات مرحلة البصري، وتم تأسيس وزارة كاملة لحقوق الانسان تولاها الزميل محمد اوجار.

صحيح ان هذه الحكومة لم تستطع انجاز قانون للاحوال الشخصية ينصف المرأة المغربية كما وعدت الحكومة بذلك منذ عام 1999 في اطار خطة (دمج المرأة في تطور البلاد) لكن الصحيح ايضاً ان هذا القانون في حالة اقراره بالصيغة التي ترضي نساء الاتحاد الاشتراكي سيفجر كافة الصراعات السياسية الكامنة، ويعطي للحركات الاصولية الشرارة التي تنتظرها لإحراق البيدر قبل احصاء الغلال، وما مظاهرة النصف مليون امرأة في الدار البيضاء ببعيدة عن الاذهان لمن يحسب حساب استيقاظ احزاب اليمين التقليدي والمتطرف للانقضاض على حكومة مثخنة.

ان المحك الحقيقي للتحولات السياسية في المغرب بقيادة ملكها الشاب لن يتم تجريبه في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي ولكن في انتخابات العام المقبل التي ستعطي صورة واضحة عن القوى السياسية الفاعلة في الشارع المغربي، وعن رضا ذلك الشارع عن حكومة اليوسفي وحزبه، فتلك الانتخابات وبغض النظر عن نتائج المؤتمر العام لأكبر أحزاب البلاد (ترمومتر) المغرب الجديد الذي طبق تجربة التناوب التي نجحت نجاحاً معقولاً كما يقول الرسميون، اما الشعب، فلم يقل كلمته بعد عن تلك التجربة التي لم يصله من ثمارها إلا أقل القليل.