دروس مستفادة من الهجرة النبوية

TT

احتفل المسلمون في مشارق الارض ومغاربها بقدوم العام الهجري الجديد يوم الاثنين الماضي. والهجرة النبوية ليست مجرد ذكرى عابرة يحتفى بها او مناسبة سنوية يحتفل بقدومها، وانما هي دروس متجددة وعبر مستفادة للمسلمين، جيلا بعد جيل، لأن الهجرة فرقت بين الحق والباطل. فلقد حرص المسلمون الاوائل على تحديد تاريخ اسلامي. وكانت المناسبات التي يمكن ان يؤرخ بها اربعاً، هي: مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم او مبعثه او هجرته او وفاته، فرجح عندهم مناسبة الهجرة لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة. واما وقت الوفاة فقد اعرضوا عنه لما توقع بذكره من الحزن عليه، فانحصر الامر في الهجرة، وانما أخروه في ربيع الاول الى محرم لان ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، اذ ان البيعة وقعت في اثناء ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة. فكان اول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم المناسب ان يجعل مبتدأ، وهذا اقوى ما وقفت عليه مناسبة الابتداء بالمحرم.

اما بداية العمل بالتاريخ الاسلامي او ما يعرف اليوم بالتقويم الهجري، فكان في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما كتب اليه ابو موسى الاشعري «انه يأتينا منك كتب (رسائل) ليس لها تاريخ». فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: ارخ بالمبعث، وبعضهم قال أرخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرضوا بها، وذلك سنة سبع عشرة. فلما اتفقوا قال بعضهم ابدأوا برمضان فقال عمر: بل بالمحرم فانه منصرف الناس من حجهم فاتفقوا عليه. وقيل ان اول من ارخ التاريخ الاسلامي يعلي بن أمية، حيث كان باليمن، اخرجه احمد بن حنبل بإسناد صحيح.

فللهجرة النبوية دروس مستفادة وعظات معتبرة يجب ان يعي معانيها المسلم ويتفهم مقاصدها ومآلاتها في كل زمان ومكان. فلقد كان المؤمنون يفر احدهم بدينه الى الله تعالى والى رسوله صلى الله عليه وسلم مخافة الفتنة في دينه، ومع هذا لم يضيق الرسول صلى الله عليه وسلم مفهوم الهجرة ومقاصدها، بل وسع فيها وقرن مآلها بنية صاحبها، اذ يقول صلى الله عليه وسلم «انما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه».

فمن دروس الهجرة المتجددة ان الهجرة قد تكون في سبيل الحق او من اجل الرزق، فكلاهما يهدف الى عدم الاستكانة والاستضعاف في الارض بحجج واهية. فالسياحة في الارض بحثا عن الحق، او طلبا للرزق من هذه الدروس المستفادة للهجرة «الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها..». ولا شك ان الاقليات المسلمة من اكثر الناس حاجة الى النهل من دروس هذه الهجرة النبوية وتمثل مقاصدها في هجراتهم شرقا وغربا، بإقامة الدين وتوطين الإسلام في مهاجرهم بالدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن.

«وقل ربي ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل من لدنك سلطانا نصيرا».