الإجماع

TT

ثمة خلاف حول الحالة العراقية ـ الكويتية، وثمة خلاف حول المقاطعة الاقتصادية لاسرائيل وقطع العلاقات معها. وثمة تباين حول كل شيء، بما في ذلك سبل دعم الانتفاضة. ولكن قبل ان نشعر باليأس من امكان الوصول الى اجماع عربي، هناك اجماع على أمر واحد: اقرار ترشيح عمرو موسى اميناً عاماً للجامعة العربية.

«شعبية» عمرو موسى بين الدول العربية مثل شعبيته في مصر وأغنية شعبان عبد الرحيم الشهيرة «باكره اسرائيل وبحب عمرو موسى»، وهذه المرة لم تؤيد الدول العربية المرشح اكراماً لمصر بل تقديراً لمرشحها كذلك. ولم يكن لمصر على الدول الاخرى حق «الشفعة» وحق التأسيس وحق الأقدمية بل كان لها حق اكثر اهمية بكثير: حق التجديد وحق المستقبل وحق الاستمرارية وحق نفض الغبار عن نصف قرن من البيروقراطية وفقدان المبادرة وفقدان الارادة وحشو الجامعة بالمحسوبيات.

يؤكد عمرو موسى بديهية غير مرئية في العالم العربي، وهي ان الاجماع يصبح سهلاً عندما نعرض على الناس شخصاً يستحق الاجماع. ان الكتاب العربي يصبح منتشراً عندما نقدم للقارئ العربي كتاباً حرياً بالطبع والنشر والقراءة. ان الفيلم العربي يصبح مستحقاً للنجاح عندما نقدم للناس فيلماً لم يكتب في ليلة ويصور في يومين وسرقت موسيقاه التصويرية من الفيلم الذي سبقه الذي سرقت موسيقاه بكل جرأة من قطعة كلاسيكية.

الناس لا تطيق المكرر. لا تطيق الرتابة. لا تطيق الملل. الناس تبحث عن نفسها في سواها. تبحث عن اغنية تعبر عنها وعن شاعر يعبر عن مشاعرها وعن مسؤول يعبر عن طموحاتها وآمالها وآرائها وحريتها في القول. سر عمرو موسى انه خلاق وحيوي وبسيط وعفوي ومتحرك ولا يخاف. يحترم لكنه لا يخشى. ويراعي لكنه لا يتردد. ويعرف انه لكي يمثل مصر يجب ان يمثل العرب اولاً. وان ارتباط مصر بالمعاهدات والضرورات والمساعدات لا يعني اطلاقاً عدم التزامها بدورها القومي ومصيرها العربي.

اتمنى ان تحذو جميع الدول العربية حذو مصر وان ترشح كل دولة عمرو موساها لمقاعد الأمناء المساعدين ولمناصب السفراء وللمقاعد الادارية الصغيرة والكبيرة. اتمنى ان يصبح كل منصب في الجامعة موضع اجماع حقيقي وان يكون كل مرشح «شعبياً» في بلده، لسبب ما، لأسلوب ما، لانجاز ما، لكفاءة ما. وليس لأنه «فائض» في بلده ولا مكان له ولا عمل.

كل دولة عربية تستطيع ان تساهم في احياء الجامعة، او حتى في اعادة صياغتها وتركيبتها، بأن تضع هي بنفسها شروط الانتساب وشروط التوظيف ومستويات الاستحقاق. فجميع الدول العربية تحاول الآن ان «تنفض» اداراتها الحكومية وان تخفف الاعباء وان تطرد الاحمال والخوات والمستنزفين. ونأمل في ان تضم الجامعة الى تلك الادارات وان ترفق بها والا تفرض على جامعة عمرو موسى من فرضتهم على اسلافه.

بارقة اجماع وحيدة في قمة عمان. والباقي حالة عربية سميت «الحالة العراقية الكويتية». كأنما الخلاف جديد والثنائيات العربية مستجدة او كأنما الباقون في حال اتفاق لا شك فيه.