الفردية أولا

TT

لا اتصور ان هناك كاتبا غير عدائي، العدوانية جزء اساسي من تكوين الفنان النفسي، فالفنان كائن تحريضي، يحرك المياه الراكدة ويثير الاسئلة المحرجة ويوقظ الكون والمجتمع من حوله من حالة السبات التي تسيطر عليه، تمهيدا لتغييره نحو الافضل.

الفنان كائن رافض ولا يحب ان يبقى الحال على ما هو عليه، ومهما كان الحال عظيما فان طموح الفنان في تجاوز الواقع لا يقف عند حدود، ورغبته في تغيير الواقع الى الافضل لا يمكن ان تهدأ ابدا.

ليس هناك فنان حقيقي يمكن ان يرضى بالواقع كما هو، فقد قال اوجين اونيسكو ذات يوم: «كل ادب جديد عدائي، العدائية تمتزج بالاصالة وتقلق ما تعود الناس عليه من افكار».

الفنان كائن مهمته تصدير القلق الى اكبر قطاع ممكن من الناس، قلق الخلق والبحث عن الافضل والعمل على حقن الناس بالرغبة في التغيير المستمر. الفن دوره الاساسي يتجلى في محاربة الركود والثبات والجمود، وكل اثر فني عظيم كان يعمل على خلخلة كل ما هو ثابت ومألوف في حياة الناس.

الاثر الفني العظيم يجب ان يصيب الجمهور بالصدمة، يجب ان يشككه في قناعاته ويعيده الى مرحلة الصفر، حيث يعيد النظر في كل ما استقر في نفسه من افكار وانطباعات ومشاعر.

الفن الحقيقي هو الذي يثير الاسئلة الكبرى التي تحاول المجتمعات البشرية ان تقمعها.. فكل المجتمعات تسعى الى قولبة الافراد وتعمل على اذابة الاختلافات بينهم وتسعى الى ايجاد افراد يشبهون بعضهم البعض الى حد التماثل.. والفن مهمته محاربة كل محاولات القولبة وتوسعة مساحة الاختلاف بين الافراد.

الفن ثورة ضد كل المشاريع التي تهدف الى تحويل المجتمع البشري الى قطيع.. الفن منحاز للانسان، ولكي تكون منحازا للانسان يجب ان تكون منحازا للفردية اولا.