أول يوم وطني

TT

لأول مرة أسمع ابني يتحدث مسبقا عن اليوم الوطني، بعد أن كانت المدارس هي التي تفاجئ الناس بأن يومهم الوطني قد حل. فقد وعدهم اليوم الوطني الخامس والسبعون ولأول مرة في التاريخ السعودي بإجازة، يقفون فيها، يحتفلون ويتذكرون، تماما مثلما يحب أي فرد منا أن يتذكر ويحتفل بأيام مهمة في حياته كانت لها ذكرى عزيزة في نفسه.

هذه الوقفة الأولى لليوم الوطني الخامس والسبعين للمملكة العربية السعودية، يوم شهير بملحمة الوحدة، يوم انتقال هذا المجتمع من قبائل متناحرة تتقاتل على الماء والكلأ، شريعتها النهب والغزو، وقيمها الغلبة والقوة، إلى مجتمع واحد ينصاع لضوابط الشريعة الإسلامية السمحة، ويصير أفراده في سبيل الوطن إخوانا.

وفي اليوم الوطني تنبعث في النفوس مفخرة، ومراجعة ومقارنة بين ما كنا وما صرنا إليه، ويفخر الناس حين يحصون عدد المآثر والإنجازات التي قطعتها بلادهم، ويعدون وطنهم بما هو أحسن.

الوقفة الأولى لليوم الوطني، الذي يعيشه طلابنا ومواطنونا بإجازة من العمل، هو أكثر الإيحاءات وأقواها تأثيرا، فيوم تستريح فيه النفوس، ويتفرغ فيه الناس للفرح على مهل، هو يوم لا شك للناس سعيد. وبلا شك هو يوم أنجح للذكرى من يوم مزدحم بالعمل والواجبات المرهقة، لا يجد العقل فيه متسعا للإنصات للخطابات والقصص والدعاية الطويلة العريضة المملوءة بالتواريخ والعبارات التقليدية.

اليوم الوطني الخامس والسبعون هو يوم تعلن فيه نهاية معركة دائرة بين الاعتراف به كيوم تاريخي مهم في رزنامة السنين وليس مجرد يوم في خطاب لغوي تقليدي. وليت هذا الخطاب أيضا ظل صافيا من الشوائب، فقد تسلل إليه الكثير من التحريمات التي تخلط بين الوطنية، بمعنى حب الوطن والدار والأهل، وقضايا العروبة والإسلام والأممية، كأن المرء الذي لا يحسن في أهله قادر على الإحسان لغيرهم، وكأنه يمكن الوثوق بمن يقدم أرضا على أرض بلاده، بحجة عدالة توسيع القيم الإنسانية، فتصبح البلاد الأفغانية أكثر نقاء، وأقرب للإحسان من بلادنا، ويصبح أهل الشيشان أقرب من إخواننا في المواطنة، وكأن المواطنة وحب الخير للعالمين جميعا لا يجتمعان.

بل إن المغالاة في توسيع دائرة المواطنة الإسلامية ضاقت على حملة الأوصاف الإسلامية، فأبعدت الوطن والمجتمع وجعلت أفراده محل تشكيك وتخوين، بل وفوجئ الوطن ببعض أبنائه يحملون المتفجرات ويحيلون أرضه ساحةَ حربٍ شعارها الإسلام.

اليوم الوطني الذي يجيء هذا العام مرفوعَ الرأس حازمَ الحضور من دون مواربة، سيزداد رسوخا في وعي جيل المدارس، وسيفسح في حضوره وقتاً للفرح، وفي الفرح عادةً يصبح الغناء هو النشيدَ الوحيد الذي يحب أن يسمعه الناس وليس الخطب، فواصلي والله معك!

[email protected]