الغرب ينقلب على «قيمه» بعد اكتوائه بنيران الإرهاب..!

TT

لم يصدق كثيرون بعد كارثة سبتمبر (أيلول) قبل اربعة أعوام، وبخاصة بعض ابناء الجاليات العربية الذين يعيشون في دول الغرب، ان شهر العسل الذي يعيشونه في هذه الدول سوف ينتهي، وأن الدائرة سوف تدور عليهم وأنهم سيدفعون ذات يوم قريب ثمن جـريمة واشنطن ونيويورك والجرائم الإرهابية التي سبقتها والتي جاءت بعدها.

عندما أعلنت الولايات المتحـدة الحرب الكونية على الإرهاب وتبعها العالم كله، باستثناء بعض الدول المارقة فعلاً، ظن بعض أبناء هذه الجاليات ان النيران ستبقى بعيدة عن ثيابهم وسراويلهم وان كرم الدول التي استقبلتهم وآوتهم وأطعمتهم من جوع وأمنتهم من خوف، لن يتأثر وهكذا ورغم وقوع «أم الكوارث» التي ضربت نيويورك وواشنطن فقد بقي بعض هؤلاء يستمعون لخطابات عمر البكـري و«ابو حمزة المصري» و«أبو قتادة».. وباقي الآباء الذين وفدوا الى الغرب طالبين الحسنى واللجوء، ولكنهم ما لبثوا ان عضوا الأيدي التي امتدت إليهم بالإحسان عندما انتهى شهر العسل بينهم وبين هذه الدول. إن المعروف أن الذين لجأوا الى الغرب ذات يوم كانوا قد لجأوا الى حلفائهم، فهؤلاء اللاجئون وأولئك المُضيفون كانوا ينضوون في إطار حلف واحد كان يرفع راية المواجهة مع الإتحاد السوفياتي السابق، وراية «الجهاد» ليس في سبيل الله وإنما في سبيل الولايات المتحدة التي كانت تقود المعسكر الرأسمالي الغربي كله ضد موسكو وضد الشيوعية العالمية وأصدقائها، في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة ومن أجل إخراج القوات السوفياتية من أفغانستان.

في تلك المرحلة المتقدمة من عقد ثمانينات القرن الماضي كان كل زعماء الإرهاب المطاردون حالياً والمطلوبة رؤوسهم لقاء مكافآت بملايين الدولار، يحلون في واشنطن وفي عواصم الغرب ضيوفاً أعزاء وعلى الرحب والسعة، وكانت طائرات الـ «تشارتر» تواصل الطيران في رحلات مكوكية الى إسلام آباد وبيشاور لنقل المتطوعين للجهاد في أفغانستان الى معسكرات في المانيا (الغربية في ذلك الحين) وفي الولايات المتحدة، ولتدريب هؤلاء «المجاهدين» وإخضاعهم لدورات في التمييز الجوي وتأهيلهم في هندسة المتفجرات، وتعليمهم طرق استخدام الصواريخ ومن بينها صواريخ «ستنغر» التي فُقِد الكثير منها في الجبال والوديان الأفغانية، ولا يزال الأميركيون يبحثون عنها.

لا يمكن تصديق ان الدول الغربية التي استضافت العشرات من الذين أصبحوا رموزاً للإرهاب وفلاسفة ومفكرين له، استضافتهم بدوافع إنسانية وحماية لهم من بطش وقمع الدول التي ينتمون إليها ويحملون جوازات سفرها وجنسياتها... لقد كان الدافع الإنساني المزعوم مجرد غطاءٍ لأغراض كثيرة ومتشعبة من بينها ممارسة المزيد من الضغط على دول هؤلاء «اللاجئين» الذين فرَّوا بقناعاتهم ومعتقداتهم هروباً من البطش والاستبداد..! بــهدف ابتزازها والمزيد من ابتزازها لدوافع اقتصادية وأغراض سياسية!!.

هل لا تعــرف بريطانيا العظمى ان المسعري والبكري و«أبو قتادة» و«أبو حمزة المصري» لم يأتوا إليها هروباً بوجهات نظر ومواقف سياسية يخشون عليها، ويخشون على أرواحهم وأنفسهم بسببها، وإنما جاءوها كحلفاء ومتعاونين، وأنهم ما لبثوا ان انقلبوا عليها لأن المعادلات الكونية انقلبت وتبدلت بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، ولأن ذلك الحلف القديم ما لبث ان انفرط عقده فانقلب العدو الى صديق وانقلب الصديق الى عدو!!.

لنأخذ واحداً مـــن هؤلاء الحلفاء الذين انقلبوا الى أعداء، وباتوا ينادون بإقامة الخلافة الاسلامية في بريطانيا، وتحويل قصر «بكنغهام» في لندن الى مقر لـ «أمير المؤمنين» بعد طرد الملكة اليزابيث منه .. والمقصود هو المدعو (أبو قتادة) واسمه الحقيقي محمود عثمان أبو عمر.

إن (أبو قتادة) هذا، السلفي والتكفيري، قد وصل الى بريطانيا بجواز سفر مزور، وكانت السلطات البريطانية تعرف وتعلم علم اليقين ان الجواز الذي وصل به الى احد مطارتها كان مزوراً، ومع ذلك فإنها لم تمانع في منحه اللجوء السياسي واحتضانه «معززاً ومكرماً»، حتى في فترة ما بعد كارثة نيويورك وواشنطن. وبهذا فإن البريطانيين ساهموا في تضليل الجالية العربية والإسلامية وجعلها تستقبل هذا وأمثاله وتحتضنهم على أساس أنهم مظلومون، جاءوا من بلدانهم فراراً بعقائدهم وآرائهم وخوفاً على أرواحهم.

لقد كانت الاجهزة الأمنية البريطانية تعرف كل شيء عن «أبو قتادة» وتعرف علاقاته بالمجموعات الإرهابية التي استهدفت الاردن في كل سنوات عقد تسعينات القرن الماضي من تنظيم «بيعة الإمام» الى تنظيم «حركة الإصلاح والتحدي» الى خلية «أبو هوشر» المرتبطة بالقاعدة وأسامة بن لادن، كما كانت تعرف انه غادر عمان في عام 1992 الى باكستان وأنه عمل هناك في هيئة الإغاثة الاسلامية العالمية، وأنه كان خلال هذه الفترة يتردد على أفغانستان لإعطاء دروس في الفكر التكفيري الذي يعتبر الحاضنة الفلسفية والعقائدية للإرهاب.

وكانت بريطانيا تعرف أيضاً ان المحاكم الأردنية أصدرت حكمين قضائيين، بحق عمر محمود عثمان (أبو قتادة)، الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة وتاريخ صدوره 27/4/1999 وبتهمة دوره في العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم (حركة الإصلاح والتحدي) ومن بينها استهداف المدرسة الأميركية الحديثة في عمان، والثاني بالأشغال المؤقتة وقد صدر في عام 2000، وبتهمة دوره في العملية التي حاولت القيام بها خلية خضر أبو هوشر المرتبطة بالقاعدة وأسامة بن لادن، والتي ضبطت وهي تخطط للقيام بسلسلة تفجيرات في عدد من الفنادق الاردنية أثناء احتفالات الألفية الثالثة.

لكن ومع ذلك فإن بريطانيا بقيت تصر على ان (أبو قتادة) جاءها مستجيراً وأنها أجارته لأنه جاءها كلاجئ سياسي لا يمكن تسليمه الى البلد الذي يطالب به وبهذا فقد بقي هذا «اللاجئ السياسي»!! يمارس أنشطته السابقة انطلاقاً من لندن وبقي على علاقات وطيدة مع معظم تنظيمات العنف المرتبطة بالقاعدة وأسامة بن لادن، وبقي يصدر الفتاوى التكفيرية ضد العديد من الأنظمة العربية والإسلامية، وبقي ينتدب نفسه محامياً عن كل الأعمال الإجرامية التي تقوم بها هذه التنظيمات في الجزائر وفي المملكة العربية السعودية وفي مصر والأردن.

لم يشعر البريطانيون والغربيون عموماً بخطر هذه الأفاعي السامة، الا بعد ان «وقعت الفأس في الرأس»، كما يقال، وبعد ان ظهر الإرهاب، بعد كارثة نيويورك وواشنطن، في أسبانيا وبريطانيا وفي دول أوروبية أخرى.. عندها بدأت المعادلات تنقلب رأساً على عقب وأصبح المحرم محللاً رغم أنف حقوق الإنسان، وغدت الجاليات العربية والإسلامية التي كانت تنام على أرائك من ريش النعام في الدول الغربية، غير منزهة عن الشبهات، وغدت تدفع ثمناً غالياً بجريرة هؤلاء الذين جاءوا على أساس أنهم فارون بأرواحهم ومعتقــداتهم، وكانت مكافأة الذين أجاروهم كمكافأة «مجير أم عامر»!!.