الرئيس بوش: بين دخول التاريخ .. والتبخر هباء..!

TT

عقب كلمة الرئيس جورج بوش في نيو اورليانز حملت الكثير من الصحف الاميركية عنوانا رئيسيا واحدا: «الرئيس بوش يستبعد رفع الضرائب لإغاثة المناطق المتأثرة بإعصار كاترينا». ويعتزم بوش فيما يبدو الاعتماد على خفض الإنفاق لمقابلة نفقات إعادة إعمار نيو اورليانز.

وإذا كان ثمة اعتقاد في ذلك، فلدي منزل مواجه للبحر في ديلوكسي أود بيعه. الرسالة الضمنية في كل هذه القصص تتلخص في ان فريق بوش لا يرى سببا في تغيير وجهته في ما يتعلق بالاستجابة لما خلفه الإعصار.

ويمكن القول هنا ان إعصار كاترينا جرد فريق بوش من مصدر الطاقة الذي كان يعتمد عليه في حركته خلال السنوات الاربع السابقة، وعلى وجه التحديد في 11 سبتمبر (ايلول) 2001 وهالة الرئاسة التي جاءت مع تلك الأحداث. أحداث 11 سبتمبر اوجدت خلافات وسط الرأي العام الاميركي ووسط وسائل الإعلام ايضا، وهي الخلافات التي استغلتها ادارة بوش حتى النهاية، بغرض فرض اجندة محافظة متشددة في ما يتعلق بخفض الضرائب والإنفاق غير المرشد.

اذا أراد بوش ان يفعل أي شيء جدي خلال فترة رئاسته الثانية، فعليه ان يحدث تحولا مثل ذلك الذي احدثه الرئيس الاسبق نيكسون إزاء الصين، وأن يعيد ايضا صياغة الجدل الدائر حول مختلف القضايا، فضلا عن إعادة ترتيب أولويات الرئاسة. يبدو ان ثمة اعتقادا لدى بوش بأنه اذا أنفق مليارات الدولارات على نيو اورليانز، فإن ذلك سيعيد له الهالة التي أحاطت برئاسته. إلا ان ذلك ظن خاطئ في الأساس، فمجرد إنفاق المزيد من المال في إعادة إعمار نيو اورليانز بالاستدانة من بنود اخرى في الميزانية لا يمثل حلا ولا يساعد بوش على تعزيز قيادته. بوش في حاجة الى صياغة أجندة جديدة لإعادة إعمار كل المدن. اما العمود الفقري لسياسة التجديد الاميركي، فواضحة وضوح الشمس، وتتخلص في السعي الى الاستقلال في ما يتعلق باستهلاك الطاقة.

كان على بوش ان يفعل ذلك في صباح 12 سبتمبر 2001 . فالبلاد كانت على استعداد لذلك، إلا ان الرئيس لم يفعل شيئا من ذلك. تخيلوا معي ان الرئيس اعلن في اليوم التالي لوقوع كارثة كاترينا فرض 50 سنتا ضريبة على كل غالون غازولين بغرض استخدام عائدات هذه الضريبة لإعادة إعمار نيو اورليانز، وتسديد العجز في الميزانية، وتمويل مشروع تصميم محركات السيارات، بغرض تنويع الوقود المستهلك، وتمويل مشروع مانهاتن لتطوير بدائل في مجال الطاقة لتقليل الاعتماد على مصادر محدودة، بالإضافة الى دعم مشروع نظم النقل والمواصلات العامة في المدن الرئيسية.

تخيلوا ايضا ان بوش ربط كل ذلك بمناشدة الشباب بالتوجه الى دراسة العلوم والرياضيات والهندسة للمصلحة العامة بهدف جعلنا اكثر البلدان خضرة ومحافظة على البيئة في العالم وللمساعدة في تحريرنا من ربقة الاعتماد على تلك النوعية المعروفة من انظمة الحكم في العالم في ما يتعلق بإمدادات النفط، والمساعدة في تخفيف ظاهرة الاحتباس الحراري التي تساعد في تسخين المحيطات، وتجعل الأعاصير اكثر تدميرا والمناطق المأهولة بالسكان اكثر عرضة للدمار.

يتعطش أبناء أميركا لمواجهة هدف أكبر كان غائبا تماما خلال حكم الرئيس الحالي.

سيغير الاميركيون عاداتهم القديمة في التعامل مع الطاقة، وستطور الشركات منتجات غير مؤذية للبيئة إذا كانت متأكدة من أن سعر الغازولين لن يهبط ثانية. فمع فرض ضريبة على الغازولين، وبفرض ضوابط قوية، فإن الشركات الاميركية ستجبر على ابتكار صناعات ستكون الأكثر أهمية في القرن الواحد والعشرين: التكنولوجيا الخضراء. فمع التدليل الذي عرفته شركات السيارات في الولايات المتحدة حينما يكون الأمر متعلقا بمعايير حفظ البيئة ، ومدى استخدام السيارات ، فإن كل ما قام به فريق بوش هو التوثق من أن هذه الشركات ستصبح أثرية، بينما ستتقدم الشركات الصينية واليابانية والهندية عليها في مجال التكنولوجيا الخضراء (غير المضرة بالبيئة) ، لأن عليها أن تقوم بذلك بينما لا ينطبق هذا الشيء على شركاتنا.

انتبهوا إلى ما قاله جيف ايملت رئيس شركة جنرال اليكتريك: «على أميركا أن تصارع من أجل جعل الطاقة والممارسات البيئية حجرا أساسيا للكفاءة على مستوى الوطن ككل، وعن طريق القيام بذلك فإنها ستتمكن من تصديرها إلى الخارج. مع ذلك فإننا لسنا القادة في مجال التكنولوجيا. وتعد أوروبا اليوم القوة الأساسية في مجال تكنولوجيا البيئة الحديثة. وظلت الحكومات الأوروبية تشجع شركاتها بالاستثمار في هذا الميدان وإنتاج تكنولوجيا للطاقة الكهربائية تتميز بعدم تلويثها للبيئة. ونفس الشيء صحيح بالنسبة للطاقة النووية، وبالنسبة للسياسة الحكومية التي تشجع هذا المنحى من خلال الدعم المالي، وحوافز أخرى جعل الشركات الأوروبية في المقدمة ضمن هذا الحقل. وبينما ظلت أوروبا تتحرك نحو الابتكار فإن الصين تعد أن تكون سوقها».

بوضع هدف الاستقلال في مجال الطاقة، إضافة إلى فرض ضريبة على الغازولين، فإن ذلك قد يساعد على حل الكثير من مشاكلنا الحالية، ابتداء من العجز المالي إلى التحولات في المناخ والأمن القومي. وسيدفع الاميركيون من أجل ذلك إن هم اقتنعوا بأن الأموال الإضافية المنفقة ستجدد أميركا لا إيران، وليس فقط نيو اورليانز. والى ذلك فإذا ما أصبح الرئيس الذي هو رجل نفط تكساسي رئيسا مستقلا، من حيث الاعتماد على الطاقة، فإن ذلك سيجعل هذه الفترة الرئاسية ذات قيمة حقيقية حقا.

هناك واحد من خيارين أمام بوش: إما أن يفعل مثلما فعل نيكسون ببناء علاقات مع الصين، أو أن تؤول أعوامه الثلاثة المتبقية في سدة الحكم إلى لا شيء.

* خدمة «نيويورك تايمز»