ألمانيا: الدرس الغائب عن مرشحي الرئاسة ..!

TT

الواضح مع ألمانيا على خلفية انتخابات الأحد الماضي هو التالي: ألمانيا بلد يخاف المستقبل أو على الأقل يخاف الخيارات المؤلمة التي يمكن للمستقبل أن يجلبها معه. قال الألمان الكثير يوم الأحد الماضي حينما رفضوا الاختيار ما بين مستشار «متقنع باليسارية» وانتهازي، لكنهم يعرفونه تماما، وبين متحديته «المتقنعة باليمينية» والتي تبدو بلا كفاءة كافية، وهي تظل لغزا بالنسبة لهم. ولم يقم الناخبون بتفحص أي مما ذكرناه.

هذا هو تعبير سياسي لرد فعل ديموغرافي متواصل نحو المستقبل الذي يصنعه الألمان أثناء حياتهم الشخصية. ومعدل زيادة السكان بالنسبة لألمانيا اليوم هو صفر بالمائة. وستفقد ألمانيا 20% من قوتها العاملة خلال الخمسة وعشرين عاما القادمة. وتبقى معدلات الحمل أقل من 1.5% وهي أقل بكثير عن معدل التعويض السكاني الذي يقف عند نسبة 2.1%.

ونفس الظاهرة تبرز في حقل الاقتصاد المضطرب الذي يعد المحور الأساسي لكل أوروبا. ويعرف الألمان أن نظام ضمانهم الاجتماعي قد ساعد على دفع معدل البطالة إلى أرقام قياسية ودفع الاستثمارات الجديدة إلى بلدان أخرى. لكنهم يرفضون إصلاح النظام من خلال أخذ التحديات الدولية بالاعتبار. والرسالة الجوهرية من نتائج الانتخابات بما يتعلق بالجانب الاقتصادي للأجانب هي: انصرفوا عنا، اتركونا لوحدنا.

عبر شرويدر عن ذلك بمناشدته العالم بقبول ألمانيا كـ«دولة عادية» بدلا عن الحكم عليها الى الأبد على اساس ماضيها النازي او الإبقاء عليها مغلقة في إطار تحالف حقبة الحرب الباردة مع الولايات المتحدة. أسس شرويدر شراكة جديدة مربكة مع روسيا لكنها في نفس الوقت وثيقة وشخصية، الى درجة ان مصرفا في نيويورك اعرب عن رغبته، طبقا لشائعات، في الاستعانة بخدمة شرويدر عندما تنتهي فترة حكمه في إقامة علاقات مع مصدّري الطاقة الروس.

كانت ألمانيا شرويدر خارج التاريخ، بمعنى آخر نجده في صورة ألمانيا التي رسمها المستشار. فقد قيل ان ألمانيا، التي لم تشأ ان يُنظر اليها كدولة عادية مثل بقية الدول، لديها نزعة سلمية قومية وإحساس عال ونقي بالجانب الأخلاقي في الشؤون العالمية على نحو افضل من غيرها. عمل حزب شرويدر دائما على جعل ألمانيا تبدو وكأنها ضحية للتآمر الدولي في مجالي السياسة والأعمال. هذا النموذج النادر للتاريخ افرز حالة الارتباك التي ظهرت يوم الأحد الماضي وحالت دون إعلان الحكومة قبل اجتماع البرلمان في 18 اكتوبر (تشرين الاول) المقبل.

تاريخ ألمانيا الحقيقي ساهم في واقع الأمر في النتائج التي ظهرت يوم الأحد. فالنظام السياسي الألماني مثقل بإجراءات وقيود لا تشجع أحزاب الهامش على العمل والنشاط، فضلا عن وجود قادة شموليين مثل اولئك الذين قادوا البلاد الى الحرب العالمية الثانية، علما بأن الغرض من هذا النظام هو عكس رغبات الناخبين الذين يعرفون ما هم في حاجة اليه مستقبلا.

ربكة يوم الأحد الماضي لا تعتبر صداعا لألمانيا وحدها. فهي في واقع الأمر حالة تؤكد مجددا الضعف الذي تعاني منه الاحزاب السياسية والسياسيون انفسهم في اوروبا، وهي ظاهرة أطلت برأسها عد رفض فرنسا وهولندا دستور الاتحاد الاوروبي مطلع العام الجاري.

دعونا نأمل في ان يحترم كل من شرويدر وميركيل الرفض المزدوج الذي قوبلا به بأن يتنحيا ويفسحا المجال أمام قادة شباب ، قادرين على مواجهة مستقبل سيظل مثيرا للمخاوف في ظل استمرار عدم وضوح الرؤيا.

> مجموعة كتاب «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الاوسط»