حتى لا تتكرر مأساة أحمد الشايع

TT

مثال واقعي واحد قد يكون أبلغ تأثيراً من عشرات التحليلات والدراسات النظرية التي تلامس المشكلة من خارجها، هذا ما أكده اللقاء الذي أجرته قناة «المجد» الفضائية مع الشاب أحمد الشايع الذي روى حكاية ممضة ومريرة ما كنا لندري عنها شيئاً لو أن الأحداث مضت كالمعتاد وقضى نحبه في العملية الانتحارية التي سيق إليها بما يشبه القسر كنتيجة لخطيئته الأولى والتي غيرت مسار حياته حين ضلت قدماه الطريق للعراق نتيجة لحماسته واندفاعه وشعوره بالألم وكلها مشاعر نفسية لا يمكن تجاوزها في مرحلة الشباب المبكر والتي تعتبر نقطة تحول في سلم ارتقاء القيم لدى الإنسان حيث تحضر قيم جديدة مثل إثبات الذات، وتحقيق حضور اجتماعي، والتوق لمخالفة السائد، وردة الفعل السريعة تجاه ما يحيط به من أحداث، والأخطر تغير في مصادر التلقي والقدوة من الوالدين والمدرسة إلى الأصدقاء والشخصيات الرمزية التي تجسد هذه القيم بشكل صارخ وحاد.. وإذا كانت هذه النفسية المتوترة تعد تحولاً طبيعياً في علم النفس الاجتماعي فإن المشكلة تتفاقم حين يجد الشاب نفسه في العراء بعيداً عن برامج وقائية أو أنشطة جماعية ترعاها مؤسسات مستقلة متخصصة، ومن جهة أخرى غياب التغيير الحقيقي والفاعل في مصادر التلقي من حيث مراجعتها نقدياً وإصلاحها ومحاولة الحوار مع الشخصيات الفاعلة في الأوساط الشبابية الصحوية للدفع بها إلى وعي هذه المشاكل وضرورة العمل على تلافيها ضمن خطط استراتيجية عملية وليس مجرد مواقف خطابية سرعان ما تتبخر وتند عنها الذاكرة.

إن بعض ما قاله أحمد الشايع وهو لم يقل كل شيء لاعتبارات كثيرة منها طريقة الحوار التي تشبه وضع الاختيارات المناسبة للإجابة.. يدل على أن معادلة التطرف والانخراط في عمل إرهابي تبدو بسيطة وساذجة، فهي لا تتطلب أبعد من حماس وعنفوان تتكفل القنوات ذات الطابع المثير بإذكائه وتحتاج إلى شخصيات لوجستية مساندة تقدم الدعم الفكري والمالي وتمارس دورها في الإقناع والتوجيه ولو بشكل غير مباشر، وهذا أمر ليس بالمستحيل في ظل صعوبة الرقابة على مثل هذه العلاقات الاجتماعية أو حتى على مصادر التلقي غير المباشرة كالإنترنت ـ المصدر الثري للشباب في تكوين قناعات متطرفة.

وبالنسبة لمسألة العراق، فإن المشكلة الكبرى أن القضية لم تحسم بعد لدى التيارات الصحوية، فما زال الجدل على مواقع الانترنت وبين الرموز حول جدوى الذهاب للعراق ومشروعية ذلك، فالارتباك السياسي الحاصل في العراق يلقي بظلاله على الخطاب الديني وذلك من زاوية «المصلحة الشرعية» وليس التحريم لذات الفعل باعتباره إرهاباً وليس جهاداً وأعمالاً تخريبية تطال المدنيين وليس نصرة للعراق وأهله .

وإلى أن يحسم الجدل الشرعي في موضوع العراق وهو الدافع الأكبر لشريحة الشباب المماثلين لأحمد الشايع.. وإلى أن تنتقل الظاهرة في التناول الإعلامي والمؤسساتي من مجرد الإنكار إلى استراتيجيات بعيدة المدى.. تظل الحصانة الفردية من قبل الوالدين والعائلة مهمة شاقة وعسيرة تتطلب التضحية بالوقت والجهد، وقد لا يسمح إيقاع الحياة المعاصرة بكثير منهما.. باختصار لنوجد البدائل لهؤلاء الشباب قبل أن يتخذوا قرار اللا رجعة القميء.

[email protected]