البجعة والكركدن

TT

كان توفيق صايغ في مقدمة المثقفين والاكاديميين العرب. وكان مفكراً ودارساً حاذقاً ودقيقاً. لكن تجربته في الشعر الحديث او الشعر المنثور او النثر الشعري، كانت شديدة التواضع، وليس فيها شيء من ألقه الفكري وثقافته الجمة. وقد اصدر مرة مجموعة شعرية، ابرز ما فيها قصيدة بعنوان «الكركدن». ويمكن تقدير المستوى الشعري للقصيدة من العنوان. واقتطف منها التالي: «وانتقى (يا للازعر المحبّب) قالبا له ابهى مما انتقى/ ليظفر يا تراب لها في القديم، من البجعة المُضحكة المُؤخرة/ او الثور الغليظ مهما تلاطف/ او مزوخ اللجين المشع المخيف». الى آخره.

قابل كبار النقاد والشعراء في الستينات شعر توفيق صايغ بمزيج من الامتعاض والذهول. احتراما لحجمه الفكري عاملوا نثره الشعري بلذعة ورأفة معاً. فما كان منه الا ان اقتطع مقتطفات من تلك الاقوال ونشرها اعلاناً عن كتابه في مجلته «حوار». اعيد هنا نقل تلك المقتطفات:

«ان توفيق صايغ لم يكتب في حياته بيت شعر واحدا فيما اعلم. ان كل ما يكتبه نثر مثل النثر».

نازك الملائكة

«قصيدة الكركدن لتوفيق صايغ، احترت كيف اقرأها: افقيا ام عاموديا؟ ابدأ بالوسط ام من آخر الصفحة؟».

«فليتفضل الاستاذ الاخطل الصغير في لبنان، او الاستاذ العقَّاد في مصر، او الاستاذ بدوي الجبل في سورية، او سواهم ممن هم من هذه الطبقة من الأدب في الاقطار العربية وليقولوا لنا: نعم. اننا نعتاض بقول الاستاذ صايغ عن قول ابن ابي ربيعة. فإذا جاءوا وقالوا كذلك قلنا: اذا، هذا هو الذوق الجديد في الأدب. وهذا ما يجب التمهيد له في الاسماع وفي الصحف حتى تتعوده الأذواق العربية وعفا الله عما عداه.

امين نخلة

اصدر توفيق صايغ مجلة «حوار» اوائل الستينات. وكانت في الحرفة من افضل ما عرفنا. ثم كُشف عن ان السي. اي. ايه. هي التي تمولها، فاعتذر وأغلقها، اذ كان ينتمي الى احدى اكثر العائلات الفلسطينية انخراطاً في العمل القومي. وتوفي مبكراً، تاركاً خلفه «القصيدة ك» و«معلقة توفيق صايغ» و«اسئلة اطرحها على الكركدن». لم يكن لشعره «شيطان» بل «كركدن». وفي آداب العالم وموسيقاه تظهر البجعة كطير ملكي. عند توفيق صايغ كانت «البجعة المضحكة المؤخرة».