لغز العراق: أميركا في خدمة الأجندة الصهيونية (رؤية أميركية)

TT

من أجل فك الألغاز، واستحضار العقل وإعماله. ومن أجلنا، وأجل الولايات المتحدة الأميركية: نسأل:

ما مصلحة الولايات المتحدة الأميركية فيما يجري في العراق من اضطرابات واسعة، وخطوات متصاعدة للتمزيق والتفتيت، وتعطيل للإعمار والانقاذ، وظلام مطبق يحيط بحاضر العراق ومستقبله؟.. ما المصلحة (الوطنية الحقيقية) في ذلك كله؟.. هل المصلحة هي (الحصول على النفط) ـ كما يقال ـ؟.. هذا كلام غير عقلاني وغير واقعي.. أولا: لأن ما يجري قد قوض امكانات تأهيل العراق لانتاج نفطي ضخم: بديل لكذا وكذا من الانتاجات النفطية الأخرى العظمى في المنطقة (حكاية البديل النفطي هذه روج لها مراكز بحث وشخصيات سياسية أميركية نافذة)!!. يضم الى ذلك: ان العجز عن التأهيل سيستمر سنوات عديدة قادمة بحكم استمرار الاضطراب الأمني الذي توقع جنرالات أميركيون كبار أن يمتد الى عشر سنوات في المستقبل.. ثانيا: الولايات المتحدة ليست مضطرة ولا محتاجة لأن تتوسل بمثل هذه السياسات الغريبة الدامية الى (حاجاتها النفطية).. فامدادات النفط الطوعية اليها أمنة جدا، والى ان ينضب النفط تقريبا.. لماذا؟.. أ ـ ان حاجة المصدرين النفطيين الى عائدات هذه السلعة تتساوى مع حاجة المستهلكين لها الدافعين لثمنها، ان لم تتفوق عليها في الضغط والالحاح، ولا سيما ان ايجاد مصادر أخرى مماثلة للدخل القومي ـ في الدول المصدرة ـ لن تظهر بمعدلات عالية في المستقبل القريب. ب ـ تاريخ هذه السلعة الاستراتيجية أثبت ان القاعدة المطردة هي (دوام) تدفق الامدادات النفطية، مع استعداد قوي لرفع معدلات الانتاج كلما دعت الحاجة، أو اكتنف سوق النفط أزمة: كما هو حاصل الآن.. لذا، فإن منطق المصلحة الوطنية الأميركية مفقود في الدعوى بأن ما يجري في العراق يخدم هذه المصلحة القومية الأميركية البحتة.

هل مصلحة أميركا فيما يجري في العراق هي (محاربة الإرهاب)؟.. من الاحترام للذات، وللآخر: ألا يتعلل الأميركيون بهذه المقولة المتهافتة 1 ـ فالأميركيون أو الإدارة الأميركية أو الغلاة فيها هم الذين أوجدوا أوسع بيئة للارهاب في العراق. أوجدوها بالاحتلال، وأوجدوها بالشناعات والفظاعات التي صاحبت الاحتلال.. وفي تقديرنا، فإن الارهابيين (ولا نقول المقاومة المشروعة) كانوا يبحثون عن مثل هذه البيئة المواتية. بعد أن ضاقت عليهم الفرص في أماكن أخرى من هذا العالم 2 ـ ان الحرب على الارهاب على الطريقة الأميركية زادت معدلاته: الكمية والنوعية.. وهذه خدمة للارهاب لا محاربة له.. فكيف يحارب الارهاب: من يوجد بيئته الأوسع، ويزيد معدلاته بمزيد من التغذية والوقود. وبديه ان الأميركان لم ينشيءوا الإرهاب، فهو قد سبقهم في الوجود، وسيبقى بعدهم، بيد ان الارهاب الناشيء ـ من قبل ومن بعد ـ: استفاد من سياساتهم في العراق أيما استفادة.

ثم أي مصلحة وطنية أميركية حقيقية في تمزيق وحدة العراق على أسس مذهبية واثنية وجغرافية؟.. المعروف أن أميركا بلد ذو (تراث وحدوي).. قامت ولاياتها على الوحدة أو (الاتحاد) بادئ ذي بدء.. ثم عندما حدث الانفصال، نهض قادتها الكبار لاعادة عرى الوحدة من خلال حرب مات فيها ستمائة ألف انسان.. وبلد يقاتل في سبيل وحدته الجغرافيا والسياسية، تقضي تقاليده الدستورية والسياسية والسكانية بأن ينزع في سياسته الخارجية منازع تأييد وتعضيد الوحدة الوطنية في كل دولة.. أما حمل لواء تفتيت الوحدات الوطنية فليس خيانة للتراث الأميركي الوحدوي فحسب، بل هو نشر للفوضى الماحقة على المستوى العالمي. فلو ربطت أميركا مصلحتها الوطنية بتمزيق كل بلد لها فيه مصلحة لاقتضى ذلك: تمزيق الاوطان كافة من حيث ان للولايات المتحدة مصالح ـ بهذه الصورة أو تلك ـ مع دول العالم كله.

هل المصلحة الأميركية الوطنية الحقيقية تتمثل في اقامة (نموذج مثالي) في العراق: بانتاج واخراج أميركيين؟.. ان المصلحة معدومة في هذا الزعم. فما يموج به العراق من مآسٍ ومخاوف واضطرابات ودماء وفتن لا يتمناه شعب عاقل ـ غير مجنون ـ لنفسه، بل ان كل شعب ذي وعي يحمد الله من صميم فؤاده على نجاته ومعافاته مما يعانيه العراق عبر (النموذج الأميركي) للحرية والديمقراطية والاستقرار والرغد والرخاء!. بل نستطيع ان نقول: ان ما يجري في العراق اليوم، قد جمّل ـ بطريق غير مباشر ـ: الوجه القبيح لصدام حسين ونظامه.

أم هل المصلحة الأميركية فيما يجري في العراق (سر كهنوتي) لا يُعرف، بأي مصدر من مصادر المعرفة، ولا يُعقل بأي مقياس من مقاييس العقل؟

لا.. ليس هناك سر كهنوتي (وان كان لا يستغرب شيء على الذين يحقنون القرار السياسي بحقن ايدلوجية شديدة التأثير في التنويم او التهييج).. ليس هناك مصلحة أميركية وطنية حقيقية في ذلك كله.. وليس هناك سر كهنوتي.

إن ما يجري في العراق من اضطراب وتمزيق، وما تفعله أميركا ـ في الجملة هناك ـ إنما هو ـ في حقيقة الأمر ـ (خدمة أميركية: استراتيجية وتاريخية نادرة للأجندة الصهيونية).. فخلاصة الاستراتيجية الصهيونية ـ الاقليمية والعالمية ـ اليوم هي: لنحقق اهدافنا، ولندفع مشروعنا الى ذروته في هذه الحقبة وقبل ان تتغير الظروف.. وهذه الاستراتيجية مبنية على فكرة سياسية وتاريخية استقرت في وعي غلاة الحركة الصهيونية. وهذه الفكرة هي: ان الصهيونية واسرائيل لن يتمتعا بمثل ما يتمتعان به الآن من سطوة ونفوذ في الولايات المتحدة، وهما سطوة ونفوذ تجليا في الرصيد البشري الصهيوني الهائل المتمركز في البؤر التي تعجن ضمائر القرار (مراكز البحوث).. وفي مواقع صناعة القرار: السياسي والعسكري والاعلامي.. وفي اللوبيات التي تخلط الديني بالسياسي ـ في دولة علمانية!! ـ، وهو خلط يجعل لاسرائيل (مكانة خاصة): فوق عادية، وفوق سياسية: في النظرة التقديسية، وفي التأييد المطلق والدعم غير المحدود.. هذا كله حمل غلاة الصهيونية على ان يجعلوا استراتيجيتهم وشعارهم في هذه الحقبة: لنحقق اهدافنا بأقصى معدلات السرعة قبل أن تتبدل الظروف..(قبل تسع سنوات قدم ريتشارد بيرل خطة متكاملة الغايات والوسائل لغزو العراق وتمزيقه).

وهذه رؤية أميركية وطنية تؤكد ذلك وتوثقه (تؤكد وتوثق خطة جر أميركا لخدمة الأجندة الصهيونية):

1 ـ «ان اليهود الأميركيين هم المسؤولون عن دفع الولايات المتحدة الى الحرب على العراق. وان زعماء اليهود يمكنهم منع الحرب إذا أرادوا ذلك».. النائب الأميركي جيمس مورون.

2 ـ «ان الحرب التي تنوي الولايات المتحدة شنها على العراق تندرج في مخطط اقامة اسرائيل الكبرى. وان اللوبي الصهيوني في الادارة الأميركية هو الذي يدفع بقوة واستماتة في اتجاه الحرب».. المفكر الأميركي: مايكل كولينز بايبر.

3 ـ «لقد أكد ريتشارد بيرل مستشار وزارة الدفاع الذي يقود الحملة لغزو العراق: ان سمعة الرئيس بوش قد أصبحت الآن جزءا من المعادلة: فخوض حرب ضد العراق يساوي حسن سمعة الرئيس ومجده، وعدم حرب يساوي تلاشي المجد وفقدان المصداقية».. فليبس بينيس: معهد الدراسات السياسية.

4 ـ «اذا كان اسامة بن لادن هو المتسبب في الهجمات التي أودت بحياة الالوف من الأميركيين في يوم 11 سبتمبر، فإني وكل أميركي نريد ان نطبق في حقه أقصى العقوبات. فكل من يمارس عملا ارهابيا تجاه أمتنا يجب ان ينال عقابه.. وبناء على هذه القاعدة القانونية والاخلاقية يجب ان توضع اسرائيل في اعلى القاعدة بسبب انها تضر بمصالح الولايات المتحدة حين تدفعها الى خدمة مصالح صهيونية على حساب المصلحة الوطنية الأميركية».. ديفيد ديوك، كاتب ومحلل سياسي أميركي وعضو سابق في مجلس النواب الأميركي عن ولاية لويزيانا.

5 ـ «بالتأكيد تم دفع خطة الغزو بقوة على أيدي عدد من ذوي النفوذ المؤيدين لاسرائيل من شاكلة الصقور المحافظين الجدد، داخل الادارة وخارجها: ريتشارد بيرل، وبول وولفويتز، ووليم كريستول، وآخرون».. البروفسور بول شرويدر أستاذ التاريخ بجامعة إلينوي.

6 ـ «المسؤولون عن الحرب على العراق هم مخططون آخرون معروفون ولكنهم لا يخدمون المصالح الأميركية، ولا الأمن القومي الأميركي».. الجنرال باستر غلوسون.

7 ـ «ان اللوبي اياه الذي يورط أميركا في الحرب على العراق يخدم مصالحه من خلال الاضرار بالمصالح الأميركية. ولكن مهما كانت مكاسبه فقد خانه ذكاؤه وانكشف الآن.. لقد اصبح الليكوديون هم الذين يمتلكون زمام الأمور. ولا شك في ان ذلك يصب في مصلحة شارون، لا في مصالح جمهوريتنا. ان عصابة المنظرين وبعض المسؤولين الرسميين يسعون لتوريط بلادنا في سلسلة من الحروب ليست في مصلحة أميركا بالتأكيد، ويتعمد هؤلاء تقويض علاقة الولايات المتحدة بكل دولة عربية وذلك لخدمة اسرائيل».. بات بوكانان: الإعلامي الأميركي الشهير، ومرشح جمهوري سابق لرئاسة الجمهورية الأميركية.

وليس هؤلاء جميعا مجانين ولا خونة، بدليل ان الوقائع والأدلة تصدق ما يقولون: جملة وتفصيلا. وانما المجانين هم الذين لا يعترفون بالحقائق والوقائع الموضوعية (والجنون ألطف اتهام يوجه اليهم).

والخلاصة: ان ما يجري في العراق من اضطراب واحتراب ونذر تمزيق وتفتيت انما هو خدمة للاجندة الصهيونية التي ربطت بين بقاء اسرائيل واستقرارها ووحدتها وبين اضطراب بلدان الوطن العربي وتعطيل تنميتها وتصديع وحدتها.

أجندة صهيونية، سخرت لها الامكانات الأميركية الهائلة..؟

نعم.. وهذه هي المأساة الكبرى!!!.

متى نرى أميركا الحقيقية الأصيلة التي تحدث عنها بروستر ديني ـ في كتابه: نظرة شاملة على السياسة الخارجية الأميركية ـ فقال: «اتضح ان الأمن القومي والمصالح الاقتصادية الأميركية يمكن أن تتحقق بتبني سياسات تتسم بالحكمة وبدرجة من التعاون الكريم في اتخاذ القرار الاقتصادي والسياسي بين الدول. ولا يوجد هناك سبب يمنع الأميركيين من تحمل مسؤولياتهم بنوع من الحكمة وضبط النفس والنضج والتجرد للمصلحة القومية العليا».