إسرائيل : بين دعاة دفن الماضي .. ودعاة دفن المستقبل ..!

TT

يوم الاثنين المقبل تشهد اسرائيل، والشرق الاوسط بأكمله، انتخابات في غاية الاهمية. وفي الظاهر هو اقتراع حول متى يعقد حزب الليكود انتخاباته التمهيدية. ولكن في الواقع هو اقتراع حول من سيقود الليكود في الانتخابات المقبلة ـ رئيس الوزراء ارييل شارون او متحديه بيبي نتنياهو؟ ولا يوجد ادنى شك لدي، اذا كان في إمكاني التصويت، عمن سانتخب: بيبي. نعم، ادعو لبيبي ليسحق شارون ويطرده من الحزب، حيث ينتمي شارون.

وربما تسأل، لماذا ؟ لان حزب الليكود بقيادة بيبي، وبدون ارييل شارون، سيتحرر ليمثل ذاته ـ يمثل اليمين الطائش في اسرائيل، ويتحول الى حزب هامشي. وعندئذ سيتحرر شارون ليشكل حزبا جديدا مع غيره من شخصيات يمين ويسار الوسط . حزب يقدم لإسرائيل اغلبية قوية للتوصل الى تسويه نهائية مع الفلسطينيين ـ شريطة ان يلملموا صفوفهم لتحويل غزة الى شيء مثل دبي، اكثر من تحويلها الى شيء مثل مقديشيو.

وذكر ديفيد ماكوفسكي، من معهد سياسة الشرق الادنى في واشنطن، ووضع دراسة حول الانسحاب من غزة، فقال: «سينسحب شارون من الليكود ويشكل حزبا وسطيا خاصا به بعدما يقتنع بأنه فقد السيطرة على الليكود». وأضاف: «ومن المرجح ان يؤدي انقسام حزب الليكود الى اعادة تنظيم الاحزاب السياسية الاسرائيلية بحيث تعكس وجهات النظر الحقيقية للرأي العام الاسرائيلي. وفي الوقت الراهن، يؤيد ثلثا الاسرائيليين حل تأسيس دولتين مع الفلسطينيين. وجزء من هؤلاء اعضاء في حزب الليكود ويمثلهم شارون. وسأطلق عليهم «المساومين الابتزازيين.» والعديد من الذين يعارضون أي اتفاق ينتمون ايضا الى الليكود. ولنطلق عليهم «المتشددين». وبعض منهم يعتبر بيبي حاملا لواء وجهة نظرهم».

عودة لماكوفسكي، يقول: «من هنا فقيام تحالف جديد مكون من انصار شارون من الليكود، بالاضافة الى المعتدلين في حزبي العمل وشينوي، يمكن ان يعيد تنشيط الوسط الاسرائيلي، الذي ضعف بسبب الارهاب والعنف في الفترة بين عامي 2000 و 2004 ، بجمع الثلثين اللذين يريدان التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين اعتمادا على حدود آمنة، مثلما يمكن ان يتحول ذلك الى صيغة رابحة، شريطة الا تعود «حماس» الى الصواريخ والهجمات الانتحارية، ويدعم فرص بيبي».

لقد كشف النقاش حول الانسحاب من غزة الاتجاهات السياسية الحقيقية في اسرائيل اليوم، لان وجود 8 آلاف يهودي يعيشون في ثلث قطاع غزة، يحيط بهم 1.3 مليون فلسطيني قد اصبح جنونا مطبقا ومنفصلا تماما عن أي منطق اخلاقي او استراتيجي او ديموغرافي او وطني.

ولذا فإن هؤلاء الذين يؤيدون استمرار الوضع القائم في غزة للأبد، الذي يشمل الجناح المتشدد بأكمله في حزب الليكود، يصفون انفسهم بأنهم متطرفون يهود يمثلون خطرا على مستقبل اسرائيل والشعب اليهودي.

وكما قال الكاتب الصحافي بجريدة «هآرتس» آري شافيت: «بات من الواضح الآن عقب الانسحاب ان ثمة دولتين مختلفتين: دولة اسرائيل من جهة ودولة حزب الليكود من الجهة الأخرى. اسرائيل تريد سيادة وحدود وهوية وطنية واضحة، فيما تريد دولة الليكود مستوطنات وسكانا مختلطين وهوية مشوشة. اسرائيل تريد ديمقراطية وعقلانية وتنوير، فيما تريد دولة الليكود فسادا وتهنئة وإشادة وعواصف عاطفية. كان ينظر الى دولة الليكود في السابق كممثل للشعب، إلا ان ذلك لم يعد الآن موجودا».

ويمضي شافيت في مقاله: «لذا، حان الوقت للاختيار بين اسرائيل ودولة الليكود. جمهورية اسرائيل وجمهورية اللجنة المركزية لليكود. من المستحيل اقتسام الارض من دون قسم الليكود. وبدون رسم خطوط وحدود واضحة لليكود، سيكون مستحيلا ترسيم حدود لإسرائيل».

ثمة شيء في المناخ الدولي الراهن، وأعني الغزو الاميركي للعراق، وضغوط العولمة، ونهوض الطبقات الوسطى التي يرغب افرادها في الاستقرار وانتهاء حقبة جيل القادة اصحاب الكاريزما، وكل ذلك يعمل على التخلص من الترتيبات السياسية الجامدة التي ظلت على مدى سنوات تحكم السياسة العربية ـ الاسرائيلية.

فسوريا اجبرت على الخروج من لبنان، واسرائيل قررت من جانبها الانسحاب من قطاع غزة. ومصر اجرت اول انتخابات رئاسية بمشاركة اكثر من مرشح. والسلطة الفلسطينية شهدت انفجارا داخليا بموت ياسر عرفات، ووجهت الولايات المتحدة ضربة قوية للبعثيين.

ويمكن القول هنا إن قوانين الجاذبية فرضت اخيرا بعض الواقع على منطقة الشرق الاوسط، باستثناء الدول النفطية.

ومن هنا، وإذا كان لإسرائيل ان تصبح نذيرا لهذا التغيير، فربما تتوحد الاغلبية المعتدلة اخيرا وتبدأ في دفن الماضي ، بدلا من ان تتلاعب بها الأقلية المهووسة التي تريد دفن المستقبل.

*خدمة «نيويورك تايمز»