ولو في الصين

TT

كانت الصين مجازا للبعد والمستحيل والمشقة، في ذلك العهد حين حث الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته على طلب العلم ولو في الصين. لكنها اليوم في معارض عالمية من نوع معارض (جيتكس دبي 2005) لا تبعد إلا ساعتين وأقل قليلا، حيث يطرح الصينيون حواسيب محمولة من نوع الكومبيوتر التعليمي المطورة على يد الصينيين، يسمح للآباء بالمشاركة في تعليم أبنائهم اليومي، ويتيح لوح مجهز بقلم تدريب الأطفال على كتابة الحروف.

وفيما تقطع الصين ودول الشرق والغرب أشواطا بعيدة في تطوير وسائل التعليم الذاتي والجماعي، في فلسفة تبتعد ما استطاعت عن التلقين والحفظ، وتركز على المهارات الفردية وتحريض العقل على التفكير واستخدام المنطق العلمي والمنهج العلمي، متوسلة أحدث الأجهزة وأكثر الأنظمة تطورا، فإن بلدانا مثل بلادنا العربية لا تزال لم تخرج بعد من نظام «الكتاتيب» وأن تغير المشهد المدرسي خارجيا عن صورة المطوع وهو يلوح بعصاه، وتلامذته يجلسون تحت مقعده المرتفع قليلا يهزون رؤسهم كالبندول يرددون وعيونهم مفتوحه لسماء بيضاء «باء نقطة تحتها نون نقطة فوقها».

تغيرت الوسائل قليلا لكن منهج التلقين، والتركيز على مهارات الحفظ، والترديد بلا عقل، هي المنهج الوحيد لتعليم لا يحسن تطوير ذاته وتجاوزه ماضيه. وليت الأمور ظلت عند حدود الوسائل والمنهج، بل ان التعليم الذي كان «يا دوب» يمشي يعاني اليوم من عصي دست في دواليبه المحتارة، هل تمشي للخلف أم للأمام أم تقف، فصارت تتأرجح موحية بأنها تتحرك لكن دونما اتجاه.

وظل حظ التعليم في بلادنا مثل قصة حظ جحا وابنه والحمار، الذي كلما اختار حلا لينتفع بحماره لم يرض عنه الناس ولاموه، فهو مرة يركب الحمار ويترك ابنه يمشي خلفه، فلامه الناس على قسوة قلبه وتركه ابنه يمشي، وحين ركب ابنه ومشى هو لام الناس ابنه لعقوقه وترك أبيه يمشي، وحين ركبا كلاهما فوق الحمار لامهما الناس لقسوتهما على الحمار، وحين تركا الحمار من دون ركوب لامهما الناس لجهلهما وتركهما الحمار دونما فائدة.

تعليمنا مثل جحا يحرص على رضا كل فئات الناس، وهو ودود حنون مهادن خجول يراعي كل الناس ويسير وفق رضاهم من كل الفئات إن كانوا سائقي تاكسي أو تجار جملة أو أساتذة جامعة، يعطي اذنه لجميع المرتابين في شهب التطوير، عدا التربويين الذين كلما وضعوا خطة للمستقبل دسَّها رعاة التعليم في الأدراج وقالوا: لننتظر.. فالوقت غير مناسب!. مع أنه منذ ألف وأربعمائة عام كان سيد الخلق يحثهم على اللحاق بالعلم ولو متجها للصين المجازية التي أصبحت اليوم على بعد مرمى حجر!.

[email protected]