بحث عن رسالة

TT

كان ونستون تشرشل مراسلاً حربياً. هكذا بدأ حياته في حرب «البوير» ثم في السودان أيام الثورة المهدية. وكان ارنست همنغواي مراسلاً حربياً. هكذا كتب أجمل رواياته من الحرب الأهلية في إسبانيا و«صنعت» الحرب الأهلية في لبنان اشهر صحافيين غربيين في هذه المرحلة: روبرت فيسك وتوماس فريدمان. وبدأ محمد حسنين هيكل عمله الصحافي مراسلاً في حرب فلسطين.

لا يتأتى للصحافي حدث أهم وأعظم من الحرب، ليبرز من خلاله. لذلك يندفع إليها الناشئون من الصحافيين ويغامر إليها الكبار الذين تحولهم الحروب إلى كتَّاب ومؤلفين وخصوصاً إلى أصحاب ثروات. وقد بحثت عن الكاتب العربي الذي «صنعته» الحرب اللبنانية أو الحرب العراقية فيما بعد. عن المراسل الذي وصف لنا معركة أو قتالاً أو كارثة بشرية. عن الرسالة التي كتبت من الجبهة وتحولت إلى درس في كليات الإعلام والصحافة. عن الشاب الذي اشتهر لأن أسلوبه لا ينسى وطريقته تثير العواطف وتشعل المشاعر.

بحثت أيضا، وأيضا دون جدوى، عن المراسل الإذاعي الذي يصف لك المشهد ويضعه حياً أمامك ويجعلك جزءاً منه. عن المراسل الإذاعي الذي ذهب إلى الضحايا والجائعين وارض المعركة. فجأة يتحول المراسل العربي إلى زعيم حزب والى خطيب والى محلل سياسي والى مُدون يحمل الينا عدد القتلى والجرحى وبيانات أصحاب الشأن وبعض شهادات أو إفادات عاجلة من موقع الحدث. لم يأت لنا صحافي حتى الآن بريبورتاج أو قصة عن أهل الطفل العظيم محمد الدرة أين أصبحوا؟ أين يقطنون؟ أين دفنوا ذلك الشهيد الصغير الجميل.

قليل من المراسلين العرب سافروا إلى دارفور. واعتمدت معظم الصحف على رسائل بعض الناشئين أو الشجعان. الذين لا خبرة ولا تجربة ولا مهنة. ولا اعرف عدد الصحافيين الأجانب الذين جاءوا إلى العراق لكي تكون مهمتهم هناك مفترقاً ارتقائياً في حياتهم المهنية. لكنهم كثيرون. هناك شيء منفصل اسمه صحافة الحروب وأدب الحروب. ومن هذه المآسي البشرية خرجت أعظم الروايات والملاحم. وأول ملحمة في التاريخ كانت عن الحرب. وأهم أفلام السينما ومسلسلات التلفزيون وصفت عن الحروب. وأنا ما زلت ابحث عن رسالة من 500 كلمة تحكي قصة أم في النجف. أو ماذا حل بالعراقيين الذين كانوا يبيعون أثاث بيوتهم في شوارع بغداد قبل الحرب.