ما أحلى السيف بيدها!

TT

الدبلوماسي السوداني خالد فتح الرحمن، أديب ضليع في الشعر والأدب. كنت اعرف ذلك ولكنني ما كنت اعرف انه حكيم في الفنون الموسيقية ايضا. ففي الحفلة التي نظمها باسم اللجنة القومية السودانية للسلام في السودان وقدمها على مسرح فريندس هاوس بلندن، اظهر براعة جيدة في مزج موسيقى الجاز والبوب مع فنون الفولكلور السوداني لسائر مناطق الجمهورية السودانية.

كانت المناسبة الاحتفال باستتباب السلام في بلاده، وهو شيء يستحق الاحتفال بعد السنين الطويلة من الحرب الاهلية المهلكة التي تجاوزت في قسوتها سائر ما عرفناه عن الحروب الداخلية.

تضمنت الحفلة نماذج من فولكلور الرقص السوداني. هزتني فيه الراقصات بنظراتهن الساهمة المتوجهة نحو السماء توجها صوفيا حالما ومؤثرا. كان هذا غذاء للروح. ولكنهن اعطيننا شيئا من غذاء الفكر والعقل.

رقصة السيف، او العرضة، من نماذج الرقص العربي المعروفة، ولكن في العرضة السودانية التي شاركت فيها المرأة، اخذت المرأة السيف من الرجل وراحت هي ترقص به! شيء غريب! اليس كذلك؟

ولكنه شيء عجيب خلبني في سحره وجماله. راحت كل واحدة ترقص وبيدها السيف بشكل حالم شعري، وشريكها الرجل يصفق لها ويدور حولها باشا هاشا راضيا بنصيبه وقد اخذت امرأته السيف من يده.

قلت لنفسي ما ابلغ هذه الرقصة تعبيرا عن هذه المناسبة ..السلام في السودان، فعندما تنتزع المرأة السيف من يد الرجل يسود الأمن والسلم. ولكن طبعا هذه رقصة شعبية وراءها عشرات او مئات السنين. انها جزء من تراث هذا البلد العربي الافريقي. تساءلت مع نفسي وقلت، لقد رأيت رقصة السيف عند شتى الشعوب، ولكن هذه اول مرة ارى السيف بيد الراقصة. تستطيع ان تقص به رؤوسنا. ولكنها لم تفعل. فضلت ان تقص اكبادنا بسيف امضى واوقع، سيفها المسلط على انظارنا في حاجبيها. رفقا بنا يا ابنة النيلين الازرق والابيض.

في هذا السلام السوداني عبرة لمن اعتبر، اذا كان السودانيون المختلفون دارا ودينا وعرقا يجتمعون على السلم ويضعون حدا لثمانية اعوام من التجويع وسفك الدماء، فما اجدر بسواهم من اخوانهم في العراق والجزائر ان يحذوا حذوهم؟

في الرقص السوداني حركة يشارك فيها الجميع برفع اليدين الى الاعلى والامام وترديدها مع ايقاع الطبول. اشارة بليغة: الامام طريقنا والاعالي مرادنا، كل ما وجدته في الرقص السوداني حكيم وبليغ، سلام ومحبة، واخاء ومودة. سيسود الأمن والصفاء في المشرق عندما يتعلمون من السودانيين ذلك ويهجرون دبكة الحرب.