وأنا أتبرع بأعضائي

TT

ليست هذه المرة الأولى التي يتصدى فيها الشيخ العالم الدكتور عبد الله المطلق لقضايا معاصرة تهم المسلمين من موقعه المسؤول كعضو في هيئة كبار العلماء، وحرصه على استيعاب الأحكام الدينية للواقع المعاصر من حولها وبما يعين المسلمين على الاستفادة من معطيات واقعهم لصالح تقدمهم وتطورهم وخيرهم.

لقد كشف د. عبد الله المطلق في ندوة ترأسها عن المنظور الشرعي للجريمة المعاصرة في كلية الملك فهد الأمنية، النقاب عن نتائج دراسة شارك فيها علماء آخرون أجازت رغبة فئة من الناس ـ وهم الذين يتعرضون للقصاص ـ بالتبرع بأعضائهم كالكبد والكلى، كما يجوز لأهل المتبرعين أخذ ثمن لهذه الأعضاء إذا ما أرادوا.

هذه الفتوى، (جواز التبرع بالأعضاء) بعد الموت، تتباين مع فتوى قديمة لدينا تمنع التبرع بأعضاء الإنسان واستفادة مسلم مريض بفشل كلوي أو كبدي أو حاجته لزرع قرنية منها.

الفتوى القديمة أثارت الشبهات حول عظمة هذه التضحية النبيلة وعطلت برامج إنسانية وطبية، وجعلت بعضها يعمل متخفيا بل وقطعت على المسلمين طريق فخرهم واعتزازهم بحمل بطاقة غير معلنة «لا أمانع بالتبرع بأعضائي» وهو عمل إنساني لو تعلمون عظيم.

الدكتور الشيخ عبد الله المطلق يبرز اليوم كعالم وباحث وفقيه في هيئة كبار العلماء، لافتا النظر إلى سماحة الدين الإسلامي وسعة رحمته. وقد اشتهر بآرائه المعتدلة والموضوعية غير المنحازة إلا للحق، معيدا الاعتبار لقيمة علماء الدين القدماء في حماية مصالح عصرهم، كلما نجحوا في البرهنة ـ عمليا وليس نظريا ـ على أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأن الإسلام ليس ذلك الدين الذي يضع العقبات في سبيل رفع الظلم والأذى عن المسلمين، فيما لا ينجح محدودو العلم إلا بتضييق حياة الناس وقتل روح النصوص مشيا على حذافيرها الظاهرة. لكن عالما مثل الدكتور عبد الله المطلق ينتصر لروح النص لصالح الحق والبشرية وقيم الدين السمحة. وإلا فأي منطق يتفق على أن الإسلام يمنع تكافل المسلمين ولو بأعضائهم، وإن كان الإسلام كرم جسد المسلم بدفنه، فإن إعادة إحيائه في جسم مسلم آخر، لإنهاء معاناته وآلامه، هي تعبير أكثر كرامة ونفعا للإنسانية الكريمة.

وفي رأي مخالف لدعاة جمع الزوجات، بدون تحمل المسؤوليات، أو الركض العابث وراء زيجات المسيار، والزواج الطيار، أو الزواج السياحي، في رغبة للهو، وبدلا من أن يستتروا بما ابتلاهم الله يريدون تعميم رغباتهم كنموذج لزواج إسلامي اجتماعي مقبول في تجاهل لمصالح الأبناء والعائلة.. يظهر د. المطلق هذا الشهر متصدرا غلاف المجلة العربية برأي يقول: إن الزواج بواحدة هو الأصل وأن التعدد هو الاستثناء، أما عندما صرح فضيلته من قبل عن قبوله لخلاف ابن مسعود وابن عباس في مسألة الحجاب، هاج عليه بحر حراس الرأي الواحد، وأطلقوا عليه سهاما بفكر ممتنع عن التطوير والمعاصرة، لكن هذا على ما يبدو قدَرُ العلماء في مجتمعنا كلما نظروا للواقع أو استشرفوا المستقبل.

[email protected]