.. حين تقف الأعاصير مع إيران وكوريا الشمالية

TT

تتلقى كوريا الشمالية وإيران مساعدة من حلفاء غير متوقعين في المفاوضات الدولية حول برامجهما في مجال الأسلحة النووية المحظورة، فيما هناك القوى العظمى الجديدة للدبلوماسية : كاترينا وريتا. وقد جرى إرجاء قرار ادارة بوش القاضي بممارسة الضغط من اجل فرض عقوبات اقتصادية على ايران المنتجة للنفط، بسبب القوة التدميرية للإعصارين بآثارها على مؤسسات التكرير الأميركية والصعود الناجم عن ذلك في أسعار النفط. وقال مسئول أوروبي كبير «كنا نتجه الى الطلب من مجلس الأمن ان لا يفعل اكثر من وضع برنامج ايران النووي على اجندته لغرض المراجعة المستمرة والضغط، ولكن امكانية الدعوة الى فرض عقوبات تدفع سعر البرميل الى ما يزيد على 100 دولار بدت قاتلة لأي نشاط في واشنطن، من أجل اتخاذ مثل هذه الخطوة في الوقت الحالي».

وتستفيد كوريا الشمالية أيضا من تدخل الطبيعة العنيف في القضايا السياسية. وعندما حققت الأوضاع تقدما الأسبوع الماضي ودفعت بجهود الصين الى ابقاء المحادثات السداسية في بكين حية، لم يكن لدى البيت الأبيض، الذي واجه حصار الكوارث البشرية والاقتصادية والسياسية، الناجمة عن اعصار كاترينا وريتا، المزاج ولا الوقت لمواجهة جديدة في آسيا. وقد ترك ذلك مجالا للدبلوماسيين للتوصل الى «اتفاق» مراوغ يلزم أميركا وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والصين واليابان وروسيا بمواصلة الحوار.

وبالطبع فلا مجال هنا للتحدث عما اذا كان كيم يونغ ايل سيلتزم بالاتفاق الملزم، وإنما النظري الذي حددت خطوطه الصين ولم تعترض عليه واشنطن وبيونغ يانغ مباشرة. وأقول انه لن يفعل ذلك.

فالزعيم الكوري الشمالي يستخدم ترسانته النووية كوسيلة للابتزاز الاقتصادي. ويجب عليه ان يمارس الخداع بما فيه الكفاية في اطار اتفاقه الحالي من اجل ضمان المدفوعات المستقبلية. ان كيم، المعزول والأحمق الى حد ما، ليس شخصا انتحاريا. وتلك هي الأنباء القادمة من الصين الأسبوع الماضي. ولهذا فالجدل الحقيقي للسياسة الخارجية الأميركية ليس ما اذا كانت ادارة بوش تثق بكيم، وانما ما اذا كانت تثق بشركائها الأربعة في المحادثات، أو أنها تحفزهم على المشاركة في تكاليف استخدامه الى ان يتجاوزه التاريخ، أو المساعدة على فرض برنامج جماعي لمعاقبته عندما يتراجع. وذلك هو اطار العمل لتصوير الخطوات المقبلة لكبح جماح طموحات ايران النووية أيضا.

وقد نجحت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، وللعلم فلديها ثقة كافية على أخذ الصين لزمام المبادرة في ما يتعلق بمسألة كوريا الشمالية مع تشجيع بريطانيا وفرنسا وألمانيا على التعامل مع ايران، فمشاركة هذه الدول في أي نجاح او كارثة مقبلة سيكون عاملا رئيسيا في إعادة النظر في الاستراتيجية العالمية ازاء الانتاج النووي.

ولنا أن تذكر هنا أن هدف غزو العراق كان إطلاق منهج جديد صارم ضد انتاج الاسلحة النووية وإعادة صياغة المسلك الدولي تجاهه. والى ذلك قال بوش عام 2002 عندما صنف العراق وإيران وكوريا كمحور شر إن المارد النووي قد خرج من الجرة ، فيما كان الأهم هو طبيعة النظام الذي كان يملك هذه الاسلحة. ولكن تجربة العراق فاقمها إعصارا كاترينا وريتا، فبدت ادارة بوش أقل استعدادا لخوض مواجهات جديدة في الخارج وأكثر استعدادا لإعطاء الدبلوماسية والتعاون الدولي مدى جديدا. هذه التطورات صاغت في واقع الأمر الصورة الأكبر التي ساعدت على تشكيل مناورات الاسبوع الماضي السياسية. لم يكن بوش على خطأ حول عدم تجاهل خطر التسلح النووي. فالتهم التي وجهتها الدول الاوروبية والآسيوية ضد ايران وكوريا الشمالية شكلت في واقع الأمر القضية القانونية التي استندت اليها ادارة بوش ضد صدام حسين، فيما قالت دول اخرى ان العراق اثبت ان واشنطن لوحدها لا تستطيع ان تأتي باستراتيجية دولية جديدة ناجحة ضد التسلح النووي. ربما تكون هذه الدول على صواب، لكنها تواجه الآن التزاما بتقديم بديل لمنهج بوش ولوسائل الامم المتحدة غير الفاعلة في الحد من التسلح.

* خدمة «مجموعة كتّاب واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»