نموذج سيدتين من مصر: الغرب وسقف الطموح المفتوح

TT

سوف أبتعد قليلا عن السياسة الجافة في هذه المقالة لأقدم شابتين عربيتين جميلتين ناجحتين في العاصمة الأميركية واشنطن. وهناك أكثر من سبب يجعلني أقدمهما للقارئ العربى، أولا لأنهما سيدتان ونحن نعلم ما هي أوضاع النساء في مجتمعاتنا العربية، ثانيا لأنهما شابتان، ففي حين لا تتجاوز أمنيات الشباب العربي أحلام اليقظة، لا توجد حواجز عمرية للارتقاء إلى أعلى المناصب في المجتمعات المفتوحة، ثالثا لأن كليهما تتحدث العربية وتعتز بأصولها وتراثها الشرقي، ورابعا لأنهما تمثلان التنوع الديني في منطقتنا التي تعد مهدا للأديان، فاحداهما مسلمة والأخرى مسيحية، وأخيرا لأن كليهما تسارعت خطوات نجاحها بعد 11 سبتمبر عكس ما قيل عن اضطهاد العرب وتحجيمهم بعد هذا التاريخ.

السيدتان هما دينا أنسي حبيب باول مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون التعليم والثقافة ونائب وكيل الوزراة للدبلوماسية العامة، وليلى علي حسين الكابتن بسلاح البحرية الأميركية والمرشحة لأعلى رتبة في البحرية وهي رتبة ادميرال...

تمثل دينا باول «حكاية أميركية» كما قالت السناتور الجمهوري عن تكساس كي هاتشيسون حيث جاءت مع والديها وهي في الرابعة من عمرها سعيا وراء حياة أفضل لتصبح كما قالت السناتور هاتشيسون «النجمة الصاعدة في إدارة بوش والتي تتمتع بثقة الرئيس وكبار مسؤولي الإدارة».

دينا التي تملك ذكاء وجاذبية آسرة للقلوب، مما حدا بكارل روف أن يصفها «شديدة الجاذبية، كفاءة عالية، متحدثة لبقة، واثقة من نفسها، تنطق بحيوية الشباب وتستطيع التأقلم مع وظيفتها»، حققت رقما قياسيا إذ تعتبر أصغر من تولي مساعد الرئيس الأميركي لشؤون التوظيف في تاريخ الولايات المتحدة، حيث تولت هذا المنصب عام 2003 وعمرها 29 عاما، وكانت مسؤولة ومعها فريق من 35 شخصا عن تعيين المئات من كبار الموظفين في إدارة بوش، من وزراء وسفراء ووكلاء وزارة ومستشارين ومفوضين، حيث قال عنها كارلوس جوتيريز الذي ساهمت دينا في ترشيحه وزيرا للتجارة «ربما دينا هي أكثر شابة موهوبة قابلتها في حياتي». أما السناتور ديك ارمي عن تكساس وزعيم الأغلبية الأسبق والتي عملت معه في وقت سابق، قال عنها «اكتشفنا بسرعة مدى ذكائها وقدرتها ثم سحرها حتى ان البعض أعتبرها فائقة الجمال». والمعروف أنه في كل إدارة يتغير حوالي 4000 موظف يلزم تعيينهم للإدارة الجديدة، وبعد انتهاء مهمتها في المشاركة في تعيين موظفي إدارة بوش الثانية رشحها الرئيس لمنصب آخر جديد في إدارة الدبلوماسية العامة في الخارجية وهي الإدارة التي تنفق عليها الولايات المتحدة 1,2 بليون دولار سنويا، وتأمل إدارة بوش الثانية أن تقوم الدبلوماسية العامة بجهد ملموس في تحسين العلاقات الأميركية مع العالمين العربي والإسلامي، ولهذا رشح لها أقرب مساعديه كارين هيوز ودينا باول، وخاصة أن دينا تتحدث العربية وكما قال بوش عند تقديمها لوظيفتها الجديدة «تؤمن بعمق بالتجربة الأميركية والقيم الأميركية وترغب في اقتسام هذه القيم مع شعوب العالم». أما نائب الرئيس تشيني فقال «ان تكون كارين هيوز مع دينا باول وكوندوليزا رايس في الخارجية، فهذا يعطينا أفضل خلطة من الأشخاص القادرين على التعامل مع القضايا بشكل حاسم وحازم».

الجميل في دينا اعتزازها بأصولها المصرية، حيث تعلمت في البيت كيف تحافظ على لغتها وتقاليدها وتراثها وثقافتها، فرغم أن أمها هدى سليمان خريجة الجامعة الأميركية بالقاهرة، إلا أنها كما تقول دينا لا نتحدث في البيت إلا العربية وتسمع شدو أم كلثوم وعبد الوهاب، وفيروز وعبد الحليم، وقالت لمحرر الوشنطن بوست انها وهي طفلة كانت تتطلع مثل زملائها الأميركيين إلى سندوتشات التركي بالجبنة والهامبرجر، أما أمها فقد كانت تعد لها الفول والفلافل ومحشي ورق العنب، وكما قالت للمحرر كم أنا ممتنة الآن لما فعلته أمي معي. وهي تصحب والديها في كثير من الحفلات العامة التي تدعى إليها وقدمتهما للرئيس أكثر من مرة وكانا معها أثناء جلسة إجراءات اعتمادها في مجلس الشيوخ.

في مجتمع واشنطن السياسي تمثل دينا وجها مشرفا للمرأة العربية وعندما يذكر اسمها تترادف الألفاظ، لبقة، مثقفة، منفتحة، جميلة، أنيقة، متواضعة، طموحة، هادئة، مستمعة جيدة، مهذبة، موضع ثقة، وهم ينظرون إليها على أنها جمعت أفضل ما في الغرب والشرق معا، تؤمن بوطنها الجديد وتعتز بجذورها، وهو ما لخصه جوشوا بولتن مدير الميزانية في البيت الأبيض «تأخذك الدهشة عندما تشاهد هذه الشابة الجذابة وهي تتحدث بطلاقة باللغتين العربية والإنجليزية، وهي تتحدث نيابة عن الرئيس، انها بالفعل تبعث رسالة جوهرية»، أما ليز تشيني فاعتبرتها «نموذجا ينطق باسمنا لتوضيح رؤيتنا للعالم العربي والمرأة العربية».

أما دينا فتقول عن وظيفتها الجديدة «أن رسالتنا لشركائنا في العالم هي الحرية والأمل، وأن يتم ذلك عبر حوار أمتنا مع العالم، وهذا يتطلب أن نستمع للآخرين. أن تفاعلنا يجب أن يقوم على الحوار وليس المنولوج ـ أو الحديث من طرف واحد».

في حين جاءت دينا إلى أميركا وهي طفلة صغيرة، جاءت ليلى حسين بعد أن تخرجت في جامعة القاهرة، حيث حصلت على منحة لدراسة الدكتوراه في علوم كيمياء الأغذية من جامعة ميرلاند، وبعد تخرجها عملت بالتدريس في الجامعة. وفي عام 94 التحقت بالبحرية الأميركية، وتدرجت في الترقيات سريعا حتى وصلت الى رتبة كابتن «تعادل رتبة العميد في الرتب المصرية» ومرشحة الآن لرتبة أدميرال.

امرأة عربية مسلمة شابة تصل إلى أعلى رتبة في البحرية الأميركية وترأس مكتب الأبحاث والاختبارات الخاصة بالأغذية التي تقدم لجنود وضباط البحرية، ان هذا ليس تميزا فحسب ولكنه يبعث أكثر من رسالة إلى العالمين العربي والإسلامي. وعند كتابة هذه السطور كانت ليلى ضمن قوات الجيش الأميركي التي سافرت إلى نيواورليانز على عجل لمحاصرة الكارثة الإنسانية المروعة هناك.

في رحلتها مع البحرية الأميركية حققت ليلى إنجازات مشرفة وحازت على العديد من الجوائز والنياشين، لعل أبرزها جائزة افضل عالم عن عام 2004. ميدالية الخدمة المميزة عام 2003، جائزة كينث سبنسر للتفوق في الكيمياء، كما أختيرت كعضو خاص في قسم الدراسات العليا لعلوم الأغذية بجامعة ميرلاند وأشرفت على رسالتين للدكتوراه، والعديد من الجوائز الأخرى التي لا يتسع المقال لذكرها.

في الوقت التي توضع العراقيل أمام الشباب من الجنسين في المجتمعات العربية، وتعاني المرأة من كافة أشكال القمع تصل شابتان مصريتان إلى مناصب مرموقة في أميركا، ومثلهن العشرات من السيدات العربيات اللواتى شغلن العديد من المناصب في قمة الهيكل السياسي والعلمي، وفي كافة مناحي الحياة في مجتمع مفتوح للمجتهدين، ويكفي أن سيدة عربية من أصول لبنانية ستنافس هيلاري كلينتون على مقعد مدينة نيويورك في الانتخابات القادمة، وامرأة سعودية رشحت نفسها لمقعد في مجلس النواب عن الحزب الديموقراطي في كاليفورنيا في الانتخابات الماضية.

إنني أقدم دينا وليلى هنا كنموذج فقط للبنات العربيات في أميركا، كدليل على أن سقف الأحلام مفتوح للمجتهد بشرط احترام قواعد المجتمع الجديد. ويا حبذا لو حافظ المهاجر على جذوره وتراثه، فمن جبران خليل جبران إلى دينا باول يأسرني هذا النموذج الذي يجمع مميزات الغرب والشرق معا، ويتفاعل بقلب وعقل مفتوحين مع العالم المعاصر يتعلم منه ويعلمه.