التعجل في إعدام صدام .. بين الكفارة والفائدة

TT

في العراق، ومع التحضير لمحاكمة صدام حسين، من المهم بمكان أن نطرح سؤالين:

الأول: هل الوقت مناسب لمثل هذه المحاكمة؟

والثاني، هل يجب أن تتعامل المحاكمة مع الطاغية الصريع وسبعة آخرين من جماعته ممن سيحاكمون أيضا، كمجرمين منفردين، أو كممثلين عن نظام سياسي قائم على نطاق أوسع. وتكمن أهمية هذين السؤالين في أن المهم هو أنه ما إذا كانت هذه المحاكمة سوف تساعد في، أو تلحق الضرر، باحتمالات بناء مجتمع طبيعي أكثر، ناهيك عن كونه نموذجيا، في العراق.

والإجابة على السؤال الثاني الخاص بالتوقيت معقدة.

فمن ناحية، سوف يشعر الملايين من العراقيين داخل وخارج العراق بالغبطة والسرور من رؤية مشهد صدام وهو يواجه العدالة في أقرب فرصة ممكنة. ومن ناحية أخرى، ومع ذلك، فإنه من المهم أيضا بمكان أن تتم المحاكمة من قبل سلطة تتمتع بمؤهلات معصومة. والاعتبار الثاني الذي يجعلنا نتساءل فيما إذا كان التبكير بالمحاكمة هو بمثابة الاختيار الأفضل أم لا.

فدائما ما يكون الاعداد لـ «محكمة الكنغر» سهلاً، خاصة في العراق الذي قام بعرض برامج محاكمة القاتل على شاشات التلفزة، وقام بالتقديم لها فاضل المهدوي تحت رئاسة عبد الكريم قاسم وبعد ذلك، محاكمات «قتل الرفيق» التي قام بإدارتها صدام حسين نفسه ضد منافسيه في حزب البعث. وقد تكون هناك مشكلة صغيرة للعديد من العراقيين مع هذا النوع من المحاكمة، خاصة إذا كان صدام حسين هو المتهم. ولكن من الممكن أن يستفيد العراق من محاكمة مثل هذه، فقط إذا استطاع، أو عندما يستطيع، تحرير نفسه من عقلية إعدام الناس من غير محاكمة، التي أفرزها كل حكام العراق منذ 1958.

وباستقراء الوضع الآن، تواجه الهيئة المخولة بمحاكمة صدام حسين أسئلة خطيرة فيما يخص شرعيتها. فليس هناك مجال للشك بأن الحكومة المؤقتة للرئيس جلال طالباني ورئيس الوزراء ابراهيم الجعفري لديهما تفويض ديموقراطي من الأغلبية الساحقة من العراقيين. إلا أن النفع سوف يعود، وبشكل أكثر، على العراقيين من مثل هذه المحاكمة إذا ما إقيمت تحت إمرة الحكومة القادمة، المزمع انتخابها في ديسمبر القادم، ومع مشاركة الأقلية السنية العربية التي قامت بمقاطعة الانتخابات الأخيرة بشكل جزئي في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وعلى الرغم من أن المحاكمة المخطط لها ستكون مقصورة على تهمة وحيدة، تتعلق بمجازر «الدجيل» التي راح ضحيتها 143 من الرجال والنساء والأطفال في 1982، مع وجوب افتراض وجود مجال سياسي واسع النطاق، مما يشجع على منح صدام حسين نفسه دور البطل القومي الذي كان يحاول توفير الحماية لوطنه ضد الأعداء في الداخل والخارج.

ربما يقدم صدام حسين لنفسه على أنه بطل من السنة العرب في العراق، مفسرا مقاطعة الانتخابات على أنها علامة تأييد. ومع ذلك، فالحقيقة هي أن السنة من العرب في العراق كانوا ضحية لصدام حسين مثلهم مثل أية جماعات أخرى. (في الواقع، فقد كان صدام مسؤولا عن قتل السنة العرب بأعداد تفوق الضحايا من الشيعة والأكراد).

وبعد ذلك، قد يحاول جيدا أن يظهر كأنه بطل لحزب البعث ولأفكاره الاشتراكية القديمة والوحدة العربية. والآن، ومع فكرة الجعفري باستثناء البعثيين من الخدمة العامة، قد يبدو هذا المطلب مقنعا للبعض.

ومع ذلك، فالحقيقة هي أن الكثير من البعثيين كانوا قد لقوا نحبهم تحت حكم صدام حسين أكثر من أي حاكم آخر منذ 1947، عندما دخل الحزب على العراق في البداية. وعندما تولى حزب البعث السلطة في يوليو 1968، كان لحزب البعث في العراق مكتب سياسي شيوعي مشكل من 18 عضوا كان من ضمنهم صدام حسين. ومع ذلك، ففي 1988، فالرجل الوحيد الذي كان لا يزال حيا في ذلك الوقت، كان صدام حسين نفسه. وكان مصير الآخرين إما القتل أو النفي. وبمعنى آخر، فقد كان حزب البعث ضحية صدام حسين مثله مثل أي حزب عراقي آخر. ومن هنا يجب أن تجرى المحاكمة في وقت يجب أن يجد فيه، ليس فقط السنة العرب بل أيضا الغالبية من البعثيين، مكانا بين العراق الجديد.

والوقت «النموذجي» المناسب الأقرب للمحاكمة هو الربيع القادم، عقب تشكيل حكومة جديدة تنبثق عن انتخابات يكون لجميع العراقيين، بما فيهم الأعضاء السابقون من حزب البعث، حظ المشاركة فيها.

وننتقل الآن للسؤال الثاني والذي يتعلق بالأوجه السياسية للمحاكمة المزمع اجراؤها. فربما يتعجل كل من الأحزاب الشيعية والكردية في إدانة صدام حسين وأعوانه المقربين، وتعليق المشانق لهم بأسرع وقت ممكن.

ومع ذلك، فليس المهم الانتقام الطائفي أو الشخصي، أو كلاهما معا. فالعراق، وما بعده العالم العربي الأكبر، حيث لا تزال هناك البقية الباقية من أنصار العروبة، في حاجة إلى درس تاريخ مطول ونزيه وقضائي وخال من الأخطاء. فهؤلاء الذين يعرفون قضية صدام حسين يدعون بأن أكثر من 500 قضية أخرى ضده. ويقال ان حجة هذه التهم تشتمل على أكثر من مليون صفحة وتتضمن عشرات الآلاف من الأدلة تم تجميعها في أكثر من ربع قرن. وهذا لا يشمل التهم العديدة الأخرى التي ربما تقدمها الكويت وايران ضد صدام حسين لجرائم الحرب وجرائمه ضد الانسانية.

فمن المهم بمكان أن يعلم الشعب العراقي، أو في الحقيقة العالم بأسره، يعلم تماما مدى حقيقة وصحة ذلك. بل انه أكثر من مهم أن نعرف السبب وراء حدوث كل ما ذكر، والعدد الحقيقي للأشخاص الذين تورطوا واشتركوا في هذه الجرائم.

ويقنع الكثير، بما فيهم بعض العراقيين، أن شر الاستبداد القاتل نجده في الحامض النووي لدولة العراق القومية. وعلى الرغم من عدم وجود أساس لهذه الادعاءات في الحقيقة، فمن المهم أن نعرض بما لا يدع مجالا للشك بأن سلطة الدولة كانت قد استخدمت ضد الوطن العراقي، أكثر من أن تكون لخدمة طموحات العراق العادلة أو غير العادلة.

ومع ذلك، وفي الوقت ذاته، فمن المهم أن لا تخدعنا المقولة التي تقول بأن صدام كان مدعما من قبل عشيرة صغيرة من التكريتيين، غالبا ما كانوا أقرباء له. ففي الواقع، فقد قام صدام بقتل الكثير من التكريتيين، وبشكل خاص، صهراه الاثنان، من أخويه كامل والماجد. وبعيدا عن الحيدة، فقد كان صدام حسين الشخصية المثلى لانظمة الحكم الاستبدادية العربية التي قامت على سياسة الاستخبارات والسياسة العسكرية.

ويجب أن لا تكون المحاكمة بمثابة انتقام من قبل الشيعة والكرد من صدام حسين. بل ستكون المحاكمة مفيدة فقط إذا ما مكنت العراق كله من الالتقاء في نقطة واحدة مع أكثر الفترات حزنا ومأساوية في تاريخها المعاصر. ويستطيع العراق حينئذ فقط أن يفكر في لجنة مصالحة وحقيقة حتى يتسنى لها التكفير عن ذنبها المتبقي الذي يشترك فيه، بقصد أو بدون قصد، مئات الآلاف من العراقيين، ذلك لأن التعجل في اعدام صدام لن يكون مكفرا عن مثل ذلك الذنب.