نعم موتسارت في دمي!

TT

عندي سبب قوي يجعلني أدمع عندما نحتفل في العام القادم بمرور قرنين ونصف من الزمان على ميلاد عبقري الموسيقى موتسارت. كان قزما في جسمه عملاقا في فنه. أما سبب البكاء فهو أنني ألفت كتابا عن أمراض كل عباقرة الموسيقى ومشاهيرها في الغرب وفي العالم العربي: عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد وعبد الحليم والموجي وبليغ وكمال الطويل وسيد درويش وأقطاب الموسيقى العربية القديمة، واستغرق الكتاب (الموسوعي) سنة أعيد وأزيد فيه حتى استوى عملا أدبيا فنيا تاريخيا. أراه هاما.

أما الدموع التي ذرفتها ساخنة فلأن الناشر قد أضاع هذا الكتاب، ضاع؟ نعم ضاع. والعمل؟ أضرب دماغي في أي حائط أراه مناسبا. وضربت دماغي، وأوجعني دماغي. وبكيت على جهد عظيم. وكنت قد أجلت كتابة المقدمة، هذه المقدمة هي التي نشرتها بعنوان «الناي السحري» عن الموسيقار موتسارت!

ولي ذكريات أخرى مع الموسيقار العظيم، فعندما ذهبت أشهد أول احتفال له بعد الحرب العالمية الثانية، ذهبت إلى مدينة سالزبورج التي ولد فيها وبها بيته. وأقمت في نصف بيت، فالنصف الأول قد دمرته الحرب، والنصف الباقي به بنسيون متواضع، وكانت صاحبة البنسيون هي التي تصب الماء على أيدينا ورؤوسنا ـ لطفا منها وإشفاقا علينا. وكانت تبالغ في هذا اللطف والكرم.

وفي ليلة لم أستطع أن أنام فيها بسبب البراغيث. ولكني قررت أن أبقى رغم البراغيث، فالسيدة لطيفة وطيبة وكبيرة في السن وقد أخذت الحرب من نصف بيتها نصف أسرتها أيضا: زوجها وابنتها.

وعلى جدار الغرفة وجدت سجادة إيرانية وعليها بيت من شعر عمر الخيام بالفارسية، وقد ترجمه شاعرنا أحمد رامي وغنته أم كلثوم.

فما أطال النوم عمرا

ولا قصر في الأعمار طول السهر

ثم أن هذه البراغيث هي أحفاد البراغيث التي مصت دماء موتسارت.. إذن تجري الآن في عروقي دماء الموسيقار العبقري.. وكفى ذلك شرفا!