واشنطن لن تعارض تسلم حماس الحكم

TT

لا يختلف اثنان على أن العراق يأخذ حيِّزاً واسعا من اهتمامات الادارة الاميركية، لكن الجديد في ما فجّره العراق أخيرا يشير الى أن تغييراً فعلياً بدأ يحدث على صعيد المناقشات الداخلية في واشنطن، فيه نوع من الاعتراف غير المباشر بأن الواقع على الارض في المنطقة بدأ يطرح نفسه داخل تفكير الكثير من المسؤولين الاميركيين، عكس ما كانت تعتقد الادارة بأنها قادرة على فرض واقع مختلف بالقوة. ومن المؤكد بأن مجريات الاوضاع في العراق هي التي تدفع في هذا الاتجاه.

في الثأمن والعشرين من سبتمبر أيلول الماضي، استمعت لجنة القوات المسلحة في الكونغرس لشهادات سياسيين ومختصين اميركيين، ودارت الاستجوابات حول الوضع الفلسطيني بعد الانسحاب الاسرائيلي من غزة. وقد تبين ان ادارة الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش سوف تستمر في دعم السلطة الفلسطينية، لكنها لن تعرقل وصول معارضة اسلامية الى الحكم. وحسب مصادر اميركية قريبة من اللجان الأمنية في الكونغرس، فإن الادارة بدأت تتقبل فكرة ان يتسلم تنظيم حماس الحكم محل السلطة الفلسطينية الحالية، الى درجة ان وزارة الخارجية الاميركية أبلغت بعض الحلفاء العرب والغربيين، احتمال ان تسيطر حركة حماس إما على الحكومة الفلسطينية او على كافة مناطق السلطة مع منتصف عام 2006. وأمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس قال البروفسور انطوني كورديسمان كبير باحثي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «إن هناك خطراً جديا، إذا لم يحصل تقدم في عملية السلام أكثر مما اتوقع، بأن نرى «حماس» او اسلاميين يسيطرون على الحكم والأوضاع في المناطق الفلسطينية، وفي حين انهم ليسوا متطرفين كجماعة القاعدة، إلا ان هذا التحالف الاسلامي كلما توسع، لا بد ان تزداد خطورته».

وتقول المصادر الاميركية إن الادارة صارت مقتنعة، بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لن يكون باستطاعته ايقاف محاولة وصول حماس الى السلطة، وهي ترى انه فقد السيطرة وفشل في إجراء الاصلاح الاقتصادي، والحكومي والأمني. ويعترف مسؤولو الادارة بأن عباس كان بين القلّة في السلطة الفلسطينية التي تقدّر التحالف مع الولايات المتحدة، لكنهم يقولون انه عندما اصبح رئيساً للسلطة الفلسطينية عجز عن ترجمة دعواته الى الديمقراطية والإصلاح، الى فعل واقع.

قد يكون هناك بعض الاجحاف في حق محمود عباس، لأنه منذ تسعة اشهر، مدة وجوده في السلطة، وهو يواجه تحديات صعبة، وحسب مصدر فلسطيني، فإن السلطة عندما يُطلب منها القضاء على الفلتان الأمني في اراضيها، تقول للاميركيين والإسرائيليين إن قواتها الأمنية غير مسلحة، وبالتالي غير قادرة على فرض الأمن، ويأتيها الجواب من الاسرائيليين: خذوا السلاح من حماس!

بعد الانسحاب الاسرائيلي سيطرت حماس على اغلب المناطق في غزة، وتؤكد مصادر فلسطينية ان قوات حماس، بعضها في لباس عسكري، تقيم حواجز، وتجوب شوارع المدن والقرى الغزاوية، الى درجة ان كل مخيمات اللاجئين في غزة صارت تحت سيطرة حماس، وتعترف مصادر السلطة بالواقع الجديد، وهو «ان حماس هي التي تسيطر، وان كل ما نقوم به هو اننا نتفرج». وحسب المصادر، فإن حماس هي الاقوى في جنوب القطاع، واحتل رجالها المقنّعون مخيم رفح القريب من الحدود المصرية، كما ان مقاتليها يسيرون بدوريات في جباليا، وخارج رفح، وفي البريج في وسط القطاع، وقال نبيل عمرو عضو البرلمان الفلسطيني، وزميلنا في صفحات الرأي: «ليس هناك من وجود حقيقي للسلطة في غزة»، وأضاف غسان الشكعة العضو الآخر: «إن الوضع الأمني سيئ جداً». وكانت حماس رفضت التعاون مع محققي السلطة حول حادثة مخيم جباليا، حيث ادى انفجار صواريخ القسام، الى سقوط 19قتيلا وأكثر من مائة جريح.

في اجتماع عقده ممثلو اللجنة الرباعية الدولية المؤلفة من الاتحاد الاوروبي، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة وروسيا، في العشرين من ايلول (سبتمبر) الماضي، بحث المجتمعون احتمال ان تحل حماس محل السلطة في الحكم، ورأى ممثلو اللجنة الرباعية التي تدرس توفير مبلغ ثلاثة مليارات دولار للسلطة للسنوات الثلاث المقبلة، وأن المجتمع الدولي لا يمكنه منع وقوع مثل هذا الاحتمال. وكان دافيد ويلش مساعد وزيرة الخارجية الاميركية، الذي شارك في ذلك الاجتماع، ابلغ لجنة العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ: «كيف يمكن التعاطي مع مسألة دور المجموعات المسلحة والميليشيات في هذه العملية السياسية»؟

إن احتمال وصول حماس الى السلطة وتحكّمها بالتالي بمبالغ مُقدمة الى الفلسطينيين من الدول الغربية، اثار قلق اعضاء في الكونغرس، وحذّر اعضاء لجان الشرق الاوسط وآسيا الوسطى الذين باتوا في الفترة الأخيرة يتسلمون او يستمعون في غرف مغلقة الى تقارير تشير كلها الى تهاوي قدرات السلطة، حذّروا من امكانية ان تستعمل حماس التمويل والتسليح الغربي لمحاربة الولايات المتحدة. وقال احد هؤلاء الاعضاء: «ما علينا عمله لمنع وقوع هذا الامر، ما الذي سيحدث اذا صارت حماس تدير كل المساعدات الأمنية وتستفيد من التدريبات؟ إن ما يخيفني هو ان نكون بصدد اقامة ما يشبه جمهورية فايمار في المانيا (الجمهورية التي ادت الى بروز الرايخ الثالث).

ما تجدر الاشارة اليه، انه وفي ظل القانون الاميركي، فإن واشنطن لن تكون قادرة قانونيا على التعامل مع حكومة تديرها مجموعة، وضعتها وزارة الخارجية الاميركية على قائمة المنظمات الارهابية. ومن المجموعات الموضوعة على قائمة الارهاب حماس والجهاد الاسلامي، وتنوي حماس خوض الانتخابات التشريعية في كانون الثاني (يناير) 2006. ومن غير المحتمل ان يتغير القانون الاميركي في ذلك الشهر.

مشكلة الادارة انه ليس عندها بديل تراهن عليه من تنظيم فتح وتقترحه كقيادة جديدة، والخوف من وصول حماس الى السلطة قد يكون الحافز لتوقف إسرائيل عملياتها الاستفزازية التي تحرج محمود عباس، وقد ضغطت واشنطن بالفعل على تل ابيب كي لا تثير بعملياتها تعاطف الشارع الفلسطيني اكثر مع حماس. هناك في صفوف الدبلوماسيين الاميركيين في الشرق الاوسط وبالذات في اسرائيل وفلسطين من يفكر بمروان برغوثي المسجون حالياً بمقتضى حكم مدته خمس مرات مدى الحياة، ويرى هؤلاء ان مروان برغوثي يملأه اعتقاد بانه سيخرج من السجن، ويرى بعض الفلسطينيين ان الحل السياسي والأمني لا بد ان يكون بمعادلة، محمد دحلان من غزة ومروان برغوثي (من الضفة الغربية).

وبإنتظار ما ستحمله التطورات، باستثناء وقوع حرب اهلية في غزة، ورغم القناعة الداخلية لدى الادارة الاميركية، بأن حماس، بالقوة او بالرضى قد تصبح السلطة محل سلطة ابو مازن وإخوانه، يقترح بعض اعضاء الكونغرس الاميركي خصوصاً الأعضاء في لجنة العلاقات الخارجية، بأنه في افضل الايام، فإن السلطة الفلسطينية الحالية مليئة بالفساد، والسياسيين المتناحرين، «لكن هذا هو الحصان الذي راهّنا عليه، وهو الرهان الصائب، وليس هناك من حصان آخر نراهن عليه».

قريباً سيذهب محمود عباس الى واشنطن، وهذه المرة ليس هناك من ياسر عرفات لتحميله مسؤولية العرقلة، ربما هناك احمد قريع رئيس الوزراء، لكن مصر تدعم عباس ولا ترى بقريع بديلاً له، ولا تثق بحماس، وهي لتسهيل مهمته تجري اتصالات مع كندا وبريطانيا لمراقبة الحدود دوليا بينها وبين غزة الى جانب القوات المصرية، ولتدريب قوات أمن السلطة، لكن ما هي خطة ابو مازن للشعب الفلسطيني على الاقل معيشياً. يجب ان يحمل معه خطة تظهر اهتمامه برغيف الانسان الفلسطيني الذي اذا توفر لا بد ان يتغلب على كل الايديولوجيات المطروحة. لقد شعرت بعض المؤسسات الاميركية بهذه الحاجة وبدأت بتوفير رؤوس الاموال لشركات محلية خاصة في غزة، فيما كانت قد رأت عندما طلبت عمال نجارة العدد الهائل الذي تقدم.

لا فساد في صفوف حماس، ولكنها تريد فرض سياستها بقوة الاسلحة والأقنعة، وهذا ما سيرفضه الإنسان الفلسطيني على المدى الطويل.