ما بين سورية ولبنان

TT

تقوم العلاقة السورية ـ اللبنانية منذ استقلال البلدين على ضرورة طبيعية تلقائية تقابلها معادلة سيئة وركائز عطبة. وكلما قامت ازمة سياسية بينهما تحولت الى ازمة وجودية، فتغلق سورية الحدود، وتعلن القطيعة، وتشهر بيروت سلاحها الاعلامي وتقلباتها السياسية. ولم يحدث ان عولجت اي ازمة او خلاف، بالوساطة او التسامح او التحكيم. بل تلجأ دمشق فوراً الى سلاح التأديب. واللاشرعي منه فهو اغلاق الحدود، اما استخدام الحق الشرعي ففي سحب الودائع السورية من البنوك اللبنانية، وهي تشكل 55% من مجموع الودائع، بالإضافة الى اجراءات كثيرة اخرى.

ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري والعلاقة بين البلدين تشهد تأزماً متصاعداً ومخيفاً. وقد انتقل تردي العلاقة من الحكومات الى الناس. ولا حضور لوسيط او دعوة لعاقل. هناك غياب كلي مريب، لأي ساعي خير او نية حسنة. لقد انزلقت الدولتان الى منطق التوتر والثأر. ولا شك ان اللبنانيين وضعوا العقل جانباً وتركوا كل شيء للمشاعر منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن دمشق لم تحاول ايضاً تدارك الامر. وقد اغضبها خروج حلفائها من الصف وانقلابهم عليها. وكان يفترض، والمأساة على ما هي والوضع الدولي على ما هو، ان تتدارك سورية المزيد من الانهيار لا ان تتصرف على ان لبنان دولة صغيرة تسهل اخافتها. فهذه المرة لم يكن لبنان وحده. بل ان اغتيال الحريري فتح الابواب امام خصوم سورية، وخصوصاً اميركا، كما ان التمديد للرئيس اميل لحود نقل فرنسا من موقف المعادي لأميركا في العراق الى المنسق معها في قرار مجلس الأمن 1559 وما تبعه من ملحقات اخرى تصب في الاتجاه نفسه. اليوم يبدو التدهور على اشده واخطره. ويظل الأكثر خطورة غياب العقلاء وأهل الهدوء، هنا وهناك. فأي ضرر او تفجير سوف يلحق بالفريقين. واي عدم استقرار في سورية سوف ينعكس شراً وشرراً في لبنان. والعكس صحيح ايضاً. وللبلدين مصلحة واحدة لا ثاني لها، امس واليوم وغداً، وهي استمرار العلاقة المتوازنة والمثمرة للفريقين. علاقة شاملة تعني جميع الناس في البلدين، وليس فقط اهل الانتفاع وزمر الفساد والفضائح الموصوفة.

ان ربط العلاقة السورية ـ اللبنانية بنتائج تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس هو خطأ تاريخي مكرر. وقد سبق ذلك خطأ آخر هو ربط العلاقة بالتمديد للجنرال اميل لحود. والخطأ يجر دائماً الى خطأ اكبر. ومنذ ذلك الوقت ونحن ننتقل من ازمة الى ازمة. وهي ازمات تزيد الجروح وتعمقها وتجعل لأمها صعباً. ولم يفت الأوان بعد. لا يزال من الممكن تحويل المسار من التصادم. والخراب الى المصالحة والمصارحة والخروج من دوامة الثأر.