بنات الرياض

TT

بروح شابة في مطلع العشرينات جلست رجاء الصانع خلف مقود روايتها «بنات الرياض» وأدارت شريط عبد المجيد عبد الله وهو يغني «يا بنات الرياض، يا جوهرات العمايم، ارحموا ذا القتيل اللي على الباب نايم»، وصرت دواليب سيارتها، وهي تنطلق في مطلع الرواية الأول، كما يقود الشباب الصغار عادة سياراتهم.

بهذا المطلع «التفحيطي» السريع أقلعت بنا رجاء الصانع، خريجة طب الأسنان حديثا، في قصة أربع شابات صغيرات يمثلن شريحة لا تعاني من أخوة يشددن شعر اخواتهن عند القبض عليهن متلبسات بمكالمة شاب، ولا نواح الزوجات المستمر، لأن واقع النساء الأربع الصغيرات لم يعد هو عصر الأسلاك الممدودة سريعة الكشف، ولا عصر «وضحى وبن عجلان» و«رأس غليص»، بل عصر الفضاء، وأقمارهن أقمار صناعية، لا تستطيع الحد من تحليق عقولهن وأرواحهن بحثا عن ذات بعيدة الكشف، بعضهن يبحث عنها بالعقل وبعضهن بالقلب وبعضهن بالاثنين معا.

على باب كل فصل تضع رجاء حكمتها، آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأقوال مشاهير الكتاب والسياسيين، وبعض أبيات لنزار قباني الغارقة في الحب اللذيذ إلى أغاني نوال الكويتية، فرجاء تصطاد الحكمة الملقاة على قارعة الكلام، وتبحث عن ضالة المؤمن تلتقطها أينما وجدتها.

رائحة المنتديات تنتشر في جنبات الرواية، الحوار العامي المعتاد بين مرتاديها، بعضه خصام وبعضه شتائم وأحكام جاهزة، القفشات الهوائية الظريفة. الرواية مجنزرة بايقاع ذكي لأزرار «الكي بورد»، محتمية بغطاء قمر صناعي بعيد الكشف والاستدلال.

تطير رجاء الصانع، مثل فراشة حرة قادرة على مجابهة المعنى والضوء الصناعي. درعها الوقائي أنها تكتب على طريقة الفضائيات الفضائحية التي صارت تعتمد برامج الواقع كبقرة حلوب تدر عليها حليب الأرباح. تذكر الرواية منذ البداية وفي النهاية أنها قررت أن تكتب بسيناريو برنامجها الخاص «سيرة وانفضحت».

هكذا يبدأ المبدعون عادة، لديهم قلق الفضح، يريدون دائما أن يحذروا من حولهم من خيانة الذات والتزوير، يريدون أن يقلدوا جدتهم زرقاء اليمامة التي استطاعت فضح اللوحة السريالية في مشهد غامض لرجال يعتمرون ورق الشجر فوق رؤوسهم، لتضليل قومها والغدر بهم ومباغتتهم. لكن أهل اليمامة اعتبروا زرقاءهم مبدعة مضلة بالوهم.

اليمامة اليوم تشارك رجاء الصانع في رؤياها الإنترنتية، تشحذها بالهمة مرة، وتكسر المجاديف على رأسها مرة. لكن رجاء الصانع نجت بروايتها حين اختارت أن تنشرها في كتاب صادر عن «دار الساقي».

لهذا ربما راح اليماميون يتخاطفون كتابها ويدلون عليه برسائل الجوال السحرية، وزاد من رواج الرواية رسالة للقراء وضعها د. غازي القصيبي على غلاف الرواية الأخير، يشير إلى «أنه عمل يستحق أن يقرأ وروائية ينتظر منها الكثير».

[email protected]