دكتوووور!

TT

من كثرة سخاء بعض الجامعات في منح الشهادات العليا، أصبح بعض الناس من غير «المتدكترين» يتندر بأنه يتجنب الاقتراب من أسوار بعض الجامعات خشية إجباره على أخذ شهادة دكتوراة، والحقيقة أن كثرة (فاترينات) عرض تلك الشهادات، جعلتها أشبه ما تكون بمتجر «كل شيء بريال»، فهناك دكتوارة سياحية تحصل عليها أثناء إجازتك الصيفية، وأخرى بالمراسلة المادية السريعة، وثالثة بدعاء الوالدين، ورابعة وخامسة وسادسة إلى الألف، لكن أطرف العروض لنيل شهادة الدكتوراة وصلتنا ذات زمن من أمريكا تحدد سعر درجة الدكتوراة بمبلغ 7500 دولار، وكنا نعتزم تقديم خبطة صحافية بأن نسعى لمنح ساعي الصحيفة الأمي درجة الدكتوراة، لكن الإدارة المالية لتلك الصحيفة ارتأت في حينها أن الفضيحة لا تحتاج لكل هذا المبلغ، وقد رفض الساعي البسيط بكرامة تلك الدكتوراة المضروبة!

لو كنت امتلك من الأمر شيئا لفرضت على كل متشعلق بحرف «الدال» طباعة رسالته وتحديد جامعته وزمن دراسته، ومن حق إدارات حماية المستهلك في أي مكان أن تتدخل لحماية الناس من هؤلاء إن بدأوا في تصدير أفكارهم ونظرياتهم، ومنها الضار والساذج والمنتهي الصلاحية، وقد حذر أحد الكتاب العرب البارزين منذ فترة طويلة من خطورة تعليم غير الموهوبين خشية أن يحصلوا على شهادات عليا تؤهلهم لتبوؤ مقاعد قيادية في مجتمعاتهم يكون لهم فيها دور الموجه والمنظر والفيلسوف، وليت المسكين حيا ليعلم أن الإشكالية لم تعد في تعليم غير الموهوبين ولكن في حصولهم على تلك الشهادات دون تعلم.

والحق أنني بعد أن اختلط الحابل بالنابل صرت أحرص على أن أحشر أنفي في شؤون كل دكتور التقي به بغية التفريق بين دكتور و «دكتوووووور»، فمن الصعب أن نضع الجميع في سلة واحدة، فنضع العالم بجوار المتعالم، والباحث بجوار (المبحوث)، والكاتب بجوار (المكتوب علينا)، متمنيا أن يغفر الله لي، فأحد هؤلاء (الدكاترة) في كل مرة يخرج عن صمته ليتحدث ينتابني الشك بأن صاحب هذه الآراء السطحية الساذجة يمكن أن يصمد في مواجهة أية مناقشة علمية.

والحقيقة أن حروف الدال المتناثرة هنا وهناك ما كانت لتثير إعصار التندر لو كانت نظرتنا في العالم الثالث لتلك الدرجات العلمية نفس النظرة التي تسود العالم المتقدم من حيث أنها مزية علمية في قضية أكاديمية محددة، لا تبنى عليها جل الاستحقاقات الوظيفية العامة والاختيارات القيادية، فخطورة تلك الدرجات المضروبة أن العالم الثالث ما زال ينظر إلى كل (مدردم) على أنه باذنجان!

وللدكاترة الحقيقيين سلام مربع وتعظيم سلام.

[email protected]