«حماس»: حائرة بين الحرب والسلام و«فتح» فتوح..!

TT

هذه الواقعة حقيقية ومثبتة بالشهود العُدول، فقد روى مسؤول عربي كبيرٌ سابق أنه التقى قبل ايام وبمحض الصُّدفة !! في عاصمة أوروبية مسؤولا إسرائيلياً، سابقاً ولاحقاً، وان الحوار والحديث دار حول آخر تطورات القضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط وبالطبع حول الاسباب الحقيقية للهجمات المستجدة التي نفذها الجيش الاسرائيلي ضد أهداف «محددة» في مدينة غزة وأسفرت عن إصابات كثيرة في أوساط الناس العاديين الأبرياء من أبناء هذه المدينة.

كان حديث المسؤول العربي الكبير (السابق) يتركز على ضرورة ان تغتنم إسرائيل هذه الفرصة التاريخية الملائمة، لتصبح دولة شرق أوسطية، فالعرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون قد يدفعهم اليأس الى المزيد من التشدد والى المزيد من السياسات الانتحارية.. «والمفترض ان الإسرائيليين تعلموا من تجاربهم الخاصة ومن تجارب الآخرين ايضاً، أن حُلول القوة العسكرية لا يمكن ان تدوم وأن ألمانيا فتحت ذراعيها للنازية بقيادة أدولف هتلر بعد ان شعرت بالإهانة والإذلال على أيدي الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.

قال هذا المسؤول العربي السابق الكبير: إنه على إسرائيل، بعد ان جَرّبت أقصى وأبشع وأقسى أشكال العنف ضد الفلسطينيين خلال الأعوام الأربعة الأخيرة وفشلت في فرض إرادتها عليهم، أن تعترف بالأمر الواقع وان تعطي للسلطة الوطنية التي غدت بقيادة رجل معتدل، أنتخب انتخابا، هو محمود عباس (أبو مازن) ما يحفظ لها ماء الوجه وما يعزز قدرتها على مواجهة التيار المتشدد والمتطرف، الممثل بحركتي (حماس) و (الجهاد الإسلامي)، ومعهما الذين يشكلون اختراقا داخل حركة «فتح» لحساب بعض دول الإقليم وبعض الدول العربية.

وبالإضافة الى هذا فقد تحدث هذا المسؤول العربي السابق الذي كان لقاؤه بالمسؤول الإسرائيلي، السابق واللاحق، في إحدى العواصم الأوروبية مجرد «صدفة» !! عن ان استمرار إسرائيل بسياسة القبضة الحديدية ضد الشعب الفلسطيني سيعزلها عالمياً وسيبقى عليها كـ «غيتو» كبير في الشرق الأوسط وسيجعلها تخسر الدول العربية التي وقَّعت معها اتفاقيات سلام.. وبالتالي فإنها ستفقد هذه اللحظة التاريخية المناسبة والملائمة لتكون جزءاً من هذه المنطقة.

ابتسم المسؤول الإسرائيلي، السابق واللاحق، وبدأ الرد على زميله العربي بمقدمة عقائدية وتاريخية مطولة تحدث فيها عن «الأرض الموعودة» !! وعن الظلم الذي لحق باليهود عبر حقب التاريخ البعيدة ثم انتهى الى القول: إن الفلسطينيين ضياعوا فرصٍ وأنهم أضاعوا عشرات الفرص عندما كان الحاج أمين الحسيني قائداً لهم، وأنهم أضاعوا مثل هذه الفــرص وأكثر عندما كان ياسر عـرفات رمزاً وزعيماً لقضيتهم.. «وان اتفاقيات أوسلو هي أهم الفرص التي أضاعها ابو عمار» !!.

لقد تحدث هذا المسؤول الإسرائيلي طويلاً ثم انتهى الى ما اعتبره خُلاصة القول وخلاصة القول هذه أنه كرر تلك الكذبة الإسرائيلية الكبيرة القائلة، أن إسرائيل لا تجد الطرف الفلسطيني الذي يمكن إبرام اتفاق حقيقي ثابت وراسخ معه وقال : إن محمود عباس ( أبو مازن ) رجل جيد وأنه يريد السلام ومخلص له، لكنه وإن هو يملك الرغبة بالنسبة لهذا الأمر، فإنه لا يملك لا الإرادة ولا القدرة على تنفيذ ما يمكن التوصل إليه.

لم يتوقف الحديث عند هذه القضايا التي أثيرت إن من قبل المسؤول العربي السابق وإن من قبل المسؤول الإسرائيلي وجرى التطرق الى ما تريده حركة «حماس» وما يريده الذين يقفون خلف هذه الحركة.. كما جرى التطرق الى طلب الرئيس الأميركي جورج بوش من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ان يقوم بزيارة عاجلة الى فلسطين ويلتقي محمــود عباس ( أبو مازن ) والى إسرائيل ويلتقي أرئيـل شارون.. «.. فهناك فرصة فعلية لدفع عملية السلام الى الأمام، رغم كل هذه التعقيدات الراهنة وهناك ضوء خافت في نهاية النفق المظلم ولابد من الوصول إليه».

وهنا فإنه لابد من الاعتراف بحقيقتين جارحتين هما:

الأولى، ان الوضع الفلسطيني كله، وضــع السلطة الوطنية ووضع حركة «فتح» ووضع الفصائل المــوالية والفصائل المعارضة «لا يسر الصديق ولا يغيظ العدو»، فالسلطة سلطات و «فتح» فتوح والموالون يشكلون مجرد حالة ديكورية ولا وجود لهم على أرض الواقع و«حماس» مصابة بداء التهاب المفاصل وبمرض الرعشة والارتباك وهي حائرة بين السلام والحرب وبين الدولة والثورة.. وهذه أيضاً هي وضعية التنظيمات المترددة التي لا هي مع الموالين ولا مع المعارضين.

إن هذه هي الحقيقة الاولى أما الحقيقة الثانية فهي إن معظم الدول العربية المعنية بالقضية الفلسطينية، بالأفعال وليس بمجرد الأقوال، لم تبد أي تجاوب مع طلب الرئيس جورج بوش من العاهل الاردني عبد الله الثاني لعب دور تقريبي بين المواقف الفلسطينية والمواقف الاسرائيلية المتباعدة، والقيام بزيارة وزيارات الى رام الله والقدس الغربية لإنقاذ عملية السلام وفقاً لخريطة الطريق، وإخراجها من المأزق القاتل الذي تمر به.

وإزاء هذه الحقائق، التي من غير المجدي إغماض العيون عنها، فإنه لابد من تذكير الفلسطينيين بالآية الكريمة القائلة «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا فتذهب ريحكم» وتذكير العرب بأن سياسة المناكفات والاستئثار وإهمال أسلوب توزُّع الأدوار هي التي أوصلتهم الى هذه الحالة التي تعيشها بلدانهم المحاطة بالعواصف الدولية والإقليمية الهوجاء والمزنرة بالألغام والقنابل الموقوتة. كان المفترض ان يكون ( أبو مازن )، بعد انتخابه بما يشبه الإجماع من قبل الشعب الفلسطيني، أكثر حــزماً وشدة وان لا يسمح بأي ازدواجية لا داخل حركة «فتح» التي من المفترض انه هو قائدها الميداني والحقيقي بعد رحيل ياسر عرفات، رحمه الله، ولا داخل الساحة الفلسطينية مادام أنه هو الرئيس المنتخب، ومادام ان حركته هي الحزب القائد وأنها كانت ولا تزال أكثر التنظيمات الفلسطينية تحملاً لعبء قضية فلسطين.

وبالمقدار ذاته فإن المفترض ان يتخلى بعض العرب عن نرجسيتهم وعن ما يمكن اعتباره «غيرة» شخصية، وان يساندوا أي مبادرة تجاه القضية الفلسطينية، وبخاصة إذا كانت هذه المبادرة تحظى بالدعم الأميركي والتأييد الأوروبي والعالمي، وسواءً كانت هذه المبادرة أردنية أم مصرية أم سعودية أو مبادرة موحدة من قبل هذه الدول جميعها.

هناك الآن فرصة تاريخية فعلية لإخراج القضية الفلسطينية من المأزق الذي تمر به، والتوصل الى حل يُمكِّن الشعب الفلسطيني من تعزيز مصيره وإقامة دولته المستقلة على الاراضي التي احتلت في العام 1967. لكن التقاط هذه الفرصة يقتضي أداءً فلسطينياً غير هذا الأداء، ويقتضي حزماً وحسماً من قبل محمود عباس ( أبو مازن ) الذي انتخب ليصبح مؤتمناً على هذه القضية المقدسة، كما ويقتضي ان يتخلى بعض العرب عن أنانيتهم وان يفكروا ويتصرفوا على أساس المصلحة العربية العليا، وليس على أساس المصالح الشخصية والذاتية وأن يغلبوا العام على الخاص..!