يا قاتل يا مقتول

TT

سمعت، وما أكثر ما اسمع وما اقل أن اصدق، وكأنني مجرد (حائط) ـ

غير أبكم ـ محكوم عليه أن يسمع ليل نهار الخصومات تلو الخصومات التي لا تنقطع من كل (ربّ دار وربته)، وهذا هو ما يشقيني في حياتي السعيدة، وهذا هو أيضاً ما يفرحني ويبعث في نفسي الأمل في حياتي المحكومة بالنكد وكل ما ينغص البال، فحياتي كلها مع الأسف (بلاك اند وايت) بدون أي لون رمادي ناهيك عن (التركواز).

إنني انظر للكل ـ أي للناس والحيوان وحتى الجماد والأنواء، وحركات العيون، ودقات القلوب، وتردد الأنفاس، وكل (التنهدات) ما ظهر منها وما بطن ـ، انظر لذلك كله وكأنني الأعمى المبصر، وأحياناً المبصر الأعمى، وأحياناً ثالثة كأنني المبصر المبصر، وأحياناً رابعة وكأنني الأعمى الأعمى، وأحياناً خامسة وكأنني لا شيء (البتة).

متقلب بين الخلود والفناء وكأنني أتقلب على الرمال الناعمة حينا، وأكثر الأحيان كأنني أتقلب على الجمر المتقد، لا افهم (لماذا)؟!، ولا اهضم (لمن)؟!، ولا استسيغ (كذلك)، ولا أعجب (بمن)، ولا أطيق (هذا)، والمشكلة أنني لا انتهي بأية (نقطة) ـ حتى لو كانت تلك النقطة هي رباط الكفن أو حفرة القبر.

صحيح أنني مؤمن، وصحيح أنني إن شاء الله سوف أجيب برباطة جأش بالغة لكل من سوف يسألني في قبري الضيق، عن ديني ورسولي وما فعلته بدنياي، ولن اكذب أو أتلعثم أو أخبئ أي شيء وراء ظهري، وسوف أكون بقدر الامكان مبتسما، وحاضر البديهة، وحسن الطوية، ولا تشوبني أية شائبة تبعث على الشك والريبة.

كنت أتمنى في يوم من الأيام أن أكون رجل أعمال تفتح له الأبواب، أو ممثل سينما يشار له بالبنان، أو حتى زعيم عصابة (انتحارية) يحرك زبانيته من بعيد (بالريموت كنترول).. ولكنني للأسف لم افلح في كل ذلك، فلا المال، ولا الإبداع، ولا الإجرام تجري في عروقي.. فلم اخلق في هذه الدنيا إلا من اجل أن أسد (فراغا) ليس لسده أي داع على الإطلاق، ولكنها مشيئة الله لا أكثر ولا اقل، ولا راد لمشيئته تعالى.

زبدة الموضوع الذي أريد أن أحدثكم عنه اليوم بعد كل هذا (العك): أنني سمعت قبل يومين أن هناك تاجراً يملك مؤسسة كبيرة ذهب إلى مكتبه في الصباح الباكر لإنهاء بعض أعماله على عجل، والذهاب بعدها إلى المطار للسفر، التقاه الحارس الليلي لمكتبه، ورجاه ألا يسافر لأنه حلم في الليلة البارحة ورأى في منامه أن الطائرة سوف تسقط، فتشاءم رجل الأعمال وألغى سفره، وتصادف أن الطائرة التي كان من المفترض أن يسافر عليها قد سقطت فعلاً وقتل جميع ركابها، فما كان من التاجر إلا أن استدعى حارسه وعانقه شاكراً، وأمر له بصرف راتب شهرين فوراً كمكافأة، وألحق ذلك الأمر بأمر آخر بإقالة ذلك الحارس وطرده بحجة أن حلمه ذاك كان بسبب نومه، وكان الواجب عليه أن يكون مستيقظاً طوال الليل يحرس أبواب مكتب رئيس المؤسسة.

فلو كنت أنت أيها القارئ غير العزيز مكان الحارس ماذا سوف يكون رد فعلك؟! ولو كنت بالمقابل أنت صاحب الشركة ماذا سوف تتخذ من إجراء، ولو كنت لا هذا ولا ذاك مثلما أنت الآن، فماذا يعتمل في نفسك؟!

لو كان الأمر لي، لوضعت الاثنين في حلبة مصارعة مغلقة، وممنوع على احد منهما أن يخرج منها إلا (يا قاتل يا مقتول).

[email protected]