ليس جلدا للذات.. بل محاسبة لبوش وصدام حسين

TT

عندما يُكتب تاريخ الحرب في العراق، سيسأل المؤرخون كلا من صدام حسين وجورج بوش سؤالا مهما.

سؤال صدام هو: فيم كنت تفكر؟ اذا لم تكن لديك اسلحة للدمار الشامل، لماذا كنت تتصرف وكأنك تملك هذا النوع من السلاح؟ اما بالنسبة لبوش، فإن السؤال هو: فيم كنت تفكر؟ اذا رهنت رئاستك بكاملها بالنجاح في العراق، لماذا سمحت لدونالد رامسفيلد بإدارة الحرب في العراق بقوات غير كافية؟ لماذا لم تبسط الأمن داخل العراق وعلى طول حدوده؟ وكيف ساور ذهنك الاعتقاد بأن هذه القضية ستكون سهلة؟

الإجابة على هذه الاسئلة موجودة في ما يمكن ان نطلق عليه الفشل الاستخباراتي الكبير في العراق، وليس في ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل فحسب.

دعوني اوضح لكم اكثر. قضيت بعض الوقت، خلال زيارتي لميناء ام قصر العراقي الاسبوع الماضي، وأنا اشاهد قادة البحرية العراقية يعقدون اجتماعات، فيما كان مستشارون بريطانيون وأميركيون يراقبون. ثمة شعور بأن الضباط العراقيين يقومون بتقليد ايجابي لإجراء تنوير القادة. ومن الناحية الاخرى، عدم التأهيل الكامل لهذه القوات يجعل الشخص يشعر بأن سحب المستشارين العسكريين البريطانيين والأميركيين، لا يعني سوى انهيار سلاح البحرية العراقي الجديد. فالقوة البشرية والمؤسسية لم تتوفر بعد. ويعلق في هذا السياق ضابط بريطاني قائلا: انه لا يعرف «كيف حارب العراق الايرانيين على مدى ثماني سنوات».

عقب الزيارة اقترح علي ضابط بريطاني إلقاء نظرة على سوق مفتوح في احدى ساحات مدينة البصرة، وأوضح لي انني من الممكن ان اجد أي شيء اريده، لأن كثيرا من العراقيين اضطروا لبيع اجهزة منزلية، مثل الثلاجات وأجهزة تشغيل الاشرطة ومكيفات الهواء، بغرض مواجهة الظروف المعيشية الضاغطة، خلال العقد الاخير من حكم صدام حسين.

رسالة: الفشل في العثور على اسلحة للدمار الشامل، كان في واقع الأمر فشلا استخباراتيا ذريعا، إلا ان الفشل الأكبر ـ وهو مصدر كل مشاكلنا اليوم ـ هو الفشل في فهم الدمار الذي آل اليه مجتمع العراق واقتصاده ومؤسساته بعد ثماني سنوات من الحرب مع ايران، ثم الهزيمة الساحقة في حرب الخليج التالية، فضلا عن عشر سنوات من عقوبات الامم المتحدة.

لكنني اعتقد ان صدام حسين كان يدرك جيدا مدى البؤس والإفلاس الذي حاق بالجيش العراقي، لذا لم يكن يريد ان يمحو تماما الانطباع بامتلاك بلاده لأسلحة الدمار الشامل. كان صدام يعيش داخل وكر للذئاب، وكانت الإشارة الى اسلحة الدمار الشامل الدرع الوحيد المتبقي لحمايته في مواجهة جيرانه وأعدائه داخل العراق وفي الغرب. لذلك حاول صدام حسين السماح بإجراءات تفتيش محدودة،وكان يمارس في نفس الوقت لعبة القط والفأر مع الامم المتحدة، بغرض ترك انطباع بأنه لا يزال يخفي اسلحة خطيرة. ولم يفشل فريق بوش ووكالة الاستخبارات المركزية، في معرفة عدم وجود اسلحة دمار شامل لدى صدام حسين فقط، بل فشلا ايضا في تحديد مدى دمار المجتمع العراقي. واعتقد فريق بوش، الذي كان يستمع، بصفة عامة، الى جماعات المنفيين الذين لم يعيشوا في العراق لسنوات، بوجود طبقة متوسطة عراقية اكبر مما هي عليه، ومزيد من المؤسسات اكثر مما هي موجودة. تصور بوش ان السيطرة على العراق ستكون عملية سهلة، وتلك هي الطريقة الوحيدة التي يمكنني بها تفسير سلوكه.

هذا الفشل الاستخباري بخصوص المجتمع العراقي، هو الذي يؤدي الى قتلنا اليوم. لان ما حدث حقا بعد الغزو الاميركي هو ان ما تبقى من الدولة العراقية انهار في ايدينا، مثل زهرية محطمة، ثم سمح رامسفيلد بسرقة البقايا. ولذا فعندما يقول فريق بوش ان اعادة بناء العراق، هي مثل اعادة بناء المانيا، فذلك امر لا يخلو من الحقيقة. فهو مثل اعادة بناء المانيا، ولكن ليس المانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، بل هو مثل اعادة بناء المانيا في العصور الوسطى ـ المانيا القبائل والإقطاعيات، قبل وجود دولة.

وكما اكد هذا العمود لفترة طويلة، فنحن لا نبني امة في العراق، بل نحن نخلق دولة. وهو امر في غاية الاهمية، ولكنه في غاية الصعوبة. وافترض ان وكالة الاستخبارات المركزية لم تعرف مدى تفتت العراق، لأنه اذا ما عرف الرئيس ذلك، وأرسل مثل هذا العدد القليل من القوات، فهو عمل اجرامي.

وللأسف، ما يحتاجه العراق من الولايات المتحدة اليوم هو مجموعات من موظفين الاغاثة، ومستشارين من وزارة الخارجية، وخبراء تقنية من كل وكالة من وكالات الحكومة، الذين يمكنهم المساعدة على اعادة بناء الامكانيات الانسانية للعراق. ولكن الشعب خائف ولا يعرف الى من يوجه لومه؟ فلم نتمكن ابدا من فرض نظام عام اساسي هناك، لعدم وجود قوات كافية هناك.

ان خطاب الرئيس حول الارهاب يوم الخميس كان رائعا. فقد اوضح، اكثر من قبل، لماذا يعتبر تحقيق النصر في العراق في غاية الاهمية، في اطار الصراع الاكبر ضد الجماعات الاسلامية ذات النزعة الفاشية. ولكن ذلك الامر يجعلني اكثر غضبا لأنه دخل هذه الحرب كما لو انها سهلة، فلم يطلب اية تضحيات ولا استدعاء الاحتياط او زيادة الضرائب او فرض ضريبة على الوقود، وانه تسامح مع كثير من عدم الكفاءة.

* خدمة «نيويورك تايمز»