مسلم يفجر في لندن.. وآخر يحكم مانشستر..!

TT

من يتصور أن يتحول مدرس بسيط في أحد مساجد بريطانيا، ليكون الرجل الثاني في مانشستر البريطانية بعد الملكة إليزابيث؟ وليكون أول عمدة للمدينة من أصول آسيوية وأصغر عمدة في العالم.

«أفضل خان»، شاب آسيوي وسيم ممشوق القامة من أصول باكستانية، طموح متوقد الذهن والذكاء، اتخذ أسوأ قرار في حياته، حين ترك الدراسة في مراحلها الأولى، ولكن هذا القرار الفاشل حول حياة هذا الشاب إلى نجاحات متتالية، بل أحاله إلى شاب طموح متوثب وشعلة متقدة من التحدي، فقد عمل بعد أن هرب من المدرسة في معمل للنسيج وبمرتب زهيد، فحاصرته نفسه اللوامة تثرب عليه وضعه الذي لا يستحقه ذكي مثله، راتب بسيط مقابل أعمال جسدية شاقة. فبدأ يفكر في أقرانه، الذين شقوا طريقهم التعليمي متجهين نحو حياة عملية ناجحة، فقرر أن ينفض عنه عوالق مصنع النسيج، فدلف إلى التعليم، ولكن هذه المرة بقوة وعزم شديدين، ليثبت أن ما جرى له كبوة جواد، ما لبث بعدها أن انطلق الفارس نحو حياة عملية عامرة بالتوفيق والنجاح.

واصل هذا الشاب دراسته نهارا، وعمل سائق حافلة مساء، ثم انخرط في سلك الشرطة البريطانية فترة من الزمن، تحول بعدها إلى محام ناجح، إلى أن تم تعيينه نائبا لعمدة مانشستر، بعدها تم انتخابه هذا العام عمدة لمدينة مانشستر وهي المدينة الثانية في بريطانيا بعد لندن من حيث الحجم السياسي والاقتصادي.

واللافت أنه تبوأ هذا المنصب الرفيع في مدينة ذات كثافة سكانية لليهود، بل وتعتبر أحد أهم معاقل اللوبي اليهودي في بريطانيا.

ليست الجالية الإسلامية في بريطانيا، التي كسبت بوجود مسلم في منصب عمدة مانشستر فحسب، ولكن البريطانيين كسبوا أيضا إن لم يكن كسبهم هو الأكبر، فها هو العمدة المسلم يتبنى هذه الأيام مساندة عدد من زعامات جاليته الإسلامية في مانشستر، لإنشاء مركز إسلامي حضاري كبير، ونلت شخصيا مع ثلة من أساتذة جامعيين سعوديين كانوا طلابا في مانشستر، شرف وضع اللبنات الأولى لهذا المشروع الكبير، هذا المركز يتجاوز الفكرة التقليدية للمراكز الإسلامية، فهو يعنى ببناء جسور الثقة بين المسلمين وغيرهم، والحد من التوتر الذي بدت إطلالاته تبرز مع الأحداث التفجيرية الأخيرة في العاصمة البريطانية، كما أنه يعنى برفع مستوى الجالية المسلمة وفكاك قوقعتها على نفسها، لتنطلق في المجتمع البريطاني برؤية إسلامية راشدة معتدلة، تساهم في خدمة الإسلام، وكذا تجفيف منابع التطرف والإرهاب التي ظهرت بثوره على السطح البريطاني.

ولهذا نال المشروع ترحيبا من الجهات الرسمية المعنية في الحكومة البريطانية، واعتبرته واحدا من الحلول التي يمكن أن يعتمد عليها في حل مشاكل الجالية الإسلامية، خاصة الشباب المسلم الذي يريد بعض المتهورين «اختطاف» حماسته وضيقه من أوضاع بلاد إسلامية كالعراق وفلسطين، لارتكاب حماقات داخل الجسد الأوروبي تتدثر بلبوس الجهاد ومقاومة المحتل.

هذا المشروع الإسلامي اختير له مبنى كبير لكلية في موقع متميز بتكلفة قدرها 5 ملايين جنيه إسترليني، على أن يتم تسديد كامل المبلغ في أقل من ثلاثة أشهر، وإلا ضاعت هذه الفرصة الذهبية، وهو المتوقع، ما لم تدعم الدول الإسلامية هذا المشروع الذي يرعاه عمدة مانشستر مباشرة، وترحب به الإدارة البريطانية.

لقد زرت عمدة مانشستر المفخرة، في مقر عمله في مدينة مانشستر هذا الصيف، ورأيت فيه نموذج الشاب المسلم العاقل الواعي الذي يمكن أن يزاوج بين التزامه بدينه وخدمته لمجتمعه الجديد، المجتمع المختلف في البيئة والعرق والثقافة والدين، الذي استوعب هذا الشاب المسلم المتدين ليملأ هذا المنصب المهم بكل كفاءة واقتدار، في وقت لفظت عدد من الدول العربية والإسلامية شريحة كبيرة من أبنائها بحجة تدينهم، فأقصتهم وضيقت عليهم، وفي حالات كثيرة زجت بهم في السجون، وأصاب بعض هذه الدول عمى الألوان، فلم تفرق أو لم ترد أن تفرق بين المتطرف والمعتدل، وبين الملتزم المسالم والمتشدد المحارب، فحشرتهم في خندق واحد وجعلتهم رغما عنهم وجهين لعملة واحدة، وفسرت أي اعتدال على أنه نوع من التكتيك وتبادل الأدوار، فكانت النتيجة أن دفعت بالمعتدلين إلى مزيد من التشدد، والمتشددين إلى مزيد من أعمال العنف والتخريب.

[email protected]