صدام الصغير.!

TT

بعد معاناتهم القاسية الطويلة تحت حكم صدام حسين، حلم العراقيون بحاكم يخلف صدام يكون نقيضا له في كل شيء. متواضع وليس متكبرا.. رؤوف رحيم وليس متجبرا.. يعمل كثيرا من غير منّة ولا يتحدث عن نفسه وأعماله.. يترك لأعماله ولغيره مهمة الدعاية له.. يوسع دائرة المساعدين والمستشارين ويسمع منهم ومن وزرائه باحترام وتقدير ولا يتعامل معهم باعتبارهم موظفي صادرة وواردة في شركته الخاصة.

لكن ماذا نال العراقيون من أول حكومة «منتخبة» بعد الخلاص من حكم صدام؟

رئيس الوزراء الحالي الذي كان واحدا من ثلاثة ترشحوا لهذا المنصب عن القائمة التي فازت بأكبر عدد من مقاعد الجمعية الوطنية، «الائتلاف العراقي الموحد»، فرض نفسه فرضا ـ مثل أي «شقاوة» في بغداد القديمة ـ مهددا في حال عدم اختياره رئيسا للوزراء، بفرط التحالف الذي شكلته الأحزاب والجماعات الشيعية عشية الانتخابات، وفاز بالكاد بفضل عباءة آية الله علي السيستاني التي لاذ بها.

كل ما تلا ذلك هو «الكتاب» الذي كانت واقعة الفرض تلك عنوانا له.

فمثل صدام يحرص رئيس الوزراء العراقي السيد ابراهيم الجعفري على ان يظهر امام الكاميرات كل يوم، متحدثا في كل شيء بما يشبه الرطانة، يستقبل وفودا ويزور دواوين. (ذات مرة ظهر السيد الجعفري في لقاء مع صحافيين عراقيين في مقره وقد أحاط به وقوفا اثنان من الحراس الاشداء. صدام كان يكتفي بواحد هو عبد حمود).

ومثل صدام شكّل الجعفري الكثير من المجالس واللجان التي أصر على ترؤسها بنفسه، فجعل لكل وزارة لجنة تديرها وهو رئيسها الاعلى.. كم يوما في شهر السيد الجعفري؟

ومثل صدام ايضا يجعل الجعفري من ديوان مجلس الوزراء ـ يفترض انه مؤسسة للدولة تضم أفضل الكفاءات الادارية والفنية والسياسية وليس ملكية خاصة برئيس الوزراء ـ ديوانا شخصيا لا يعمل فيه إلا خاصته المقربون، فلا يثير بهذا شركاءه في الحكومة (التحالف الكردستاني) او حلفاءه السياسيين (الائتلاف) وحدهم، وانما ايضا قادة حزبه (الدعوة الاسلامية) الذين يشعرون بالعزلة والتهميش.

ومثل صدام حسين الذي وضع ميزانا عند باب كل وزارة يمر فوقه الموظفون، بمن فيهم الوزير، للتأكد من التزامهم برنامج «الترشيق» الذي فرضه «القائد الضرورة»، فإن السيد (الجعفري) لا يتردد عن رفع سماعة الهاتف للتأكد من ان «وزراءه» لم يتخلفوا عن الدوام في ذلك اليوم.

ومثل صدام ايضا لا يتوانى الجعفري عن توجيه مؤسسة الاعلام (إذاعة وتلفزيون وصحافة) لكي تكون بوقا له، مع انها مؤسسة للدولة وليست حكومية، بل لا يتردد في البطش برئيس تحرير صحيفة الدولة لأن هذا كان ذات يوم بعيد عضوا في حزبه ثم اختار طريقا آخر.

ومثل صدام كذلك لا يتورع الجعفري عن التحلل من آداب الحديث. (أشير هنا خصوصا الى تعليقه العجيب على انتقادات الرئيس طالباني وقيادة التحالف الكردستاني لأدائه الاداري والسياسي).

ومثل صدام حسين ايضا وايضا يعمل الجعفري من دون تنسيق مع مؤسسات الدولة ووزارات الحكومة، فيقرر بنفسه ان يقام مشروع في منطقة ما او يرسل وفدا الى الكويت او يطلق سراح معتقلين ايرانيين او يوسط السفير الاميركي (!) لترتيب زيارات له الى دول عربية وإسلامية، بينها السعودية.

هل نحن بازاء صدام صغير؟

على اية حال، الحق على «الائتلاف» الذي نصحناه منذ البداية، ولم يعط اذنا للنصيحة، بأن يختار لرئاسة اول حكومة «منتخبة» تخلف نظام صدام، المرشح الأنسب بين المتنافسين الثلاثة، (عادل عبد المهدي).

[email protected]