مطبخ هانيبال

TT

ما الذي يدفع الناس إلى مشاهدة أفلام أكلة لحوم البشر...؟

هل هو الخوف، حب العنف والدم أم التماهي مع الحيوانية الكامنة تحت جلد كل انسان..؟

ومن شدة الاقبال على هذه الافلام أصبحت تخصصاً، واكبر ابطال هذا التخصص انتوني هوبكنز الذي تعرض له الشاشات هذه الأيام فيلم «هانيبال»، وهذا الاسم لا علاقة له بالقائد الفينيقي القرطاجني الذي غزا روما من قرطاج التونسية، انما هو الاسم الأول للدكتور (هانيبال ليكتر) الذي دوخ بوليس العالم والتهم لحوم 14 ضحية بعد شيها على نار هادئة وطبخها بالتوابل والخل والثوم في مطبخه العصري المؤسس وفق أحدث الوصفات المطبخية.

وكان هوبكنز قد لعب دور آكل لحوم بشر في فيلم «صمت الحملان» الذي شاركته البطولة فيه جودي فوستر ثم قام بدور أرهب في فيلم «تيتوس»، حيث طبخ أولاد عشيقة القيصر على شكل فطائر واطعمهم لأمهم في مأدبة رهيبة لا تنسى.

وفي الفيلم الجديد يقوم الدكتور هانيبال ليكتر بفظائع يشيب لها الغراب، وخصوصاً في آخر الفيلم، حيث يزيل القحف الاعلى لرأس ضابط شرطة، وهو حي ثم يقطع دماغه ويشويه امامه كما يشوي الباعة مخ الاغنام مع الفليفلة الحمراء في الشوارع العربية، والادهى من ذلك انه يطعمه قطعة منه، فيستسيغها (الضحية) من دون ان يدري ان المشاوي التي أكلها قطعة منه.

ويبدأ فيلم هانيبال بمنظر رهيب للشاب (ميسون فيرجر) الذي قام بدوره جاري اولدمان وقد دعا صديقه هانيبال ليكتر إلى شقته، فعلقه الصديق في السقف كما يعلقون الاغنام المذبوحة وجعل بمساعدته يقطع من لحم وجهه وكتفيه ويطعمها للكلاب.

وفيرجر هو الناجي الوحيد من ضحايا هانيبال لذا سنراه طوال الفيلم وقد تشوه وجهه وجعل يعد للانتقام من ذلك الصديق الذي (قطعه حتت) فعلاً لا قولاً ودمر حياته فجعله يعيش مشوهاً مقعداً لمجرد ان صديقه اراد هو وكلابه ان يتذوق لحمه الحي.

ويلعب المخرج على الأبعاد النفسية ليوحي بان أكله لحوم البشر لن ينقرضوا فهم يتوارثون تلك الشهوة المدمرة وللإيحاء بذلك جعل المنظر الأخير في الطائرة للدكتور هانيبال وقد نجا من مطارديه ومعه صندوق طعامه الخاص، وبه بقية دماغ آخر ضحية وقد شويت حسب الأصول، الهانيبالية، وفي الطائرة يقترب منه طفل صيني وينظر بشغف إلى صندوق الطعام، فيعرض عليه هانيبال الجبن والفواكه لكنه يصر على قطعة من الدماغ البشري المشوي ويستسيغها.

والبعد النفسي الآخر هو نسج علاقة حب بين الجلاد والضحية، فالمفتشة الشابة كلاريس ستارلينغ (قامت بدورها جوليان مور) تلاحق هانيبال بين القارات ويكتب هو لها بين الحين والآخر رسائل غزل، وتكون عواطفها تجاهه مشتتة إلى ان نكتشف حين يقبلها انها تحبه، وتتركه يهرب من مطارديه.

وقد تورط في الملاحقة ضابط ارجنتيني آخر لاقى حتفه معلقاً على مشنقة خاصة في شارع عام، اما الانتقام الكبير الذي كان يعده الصديق الناجي ميسون فيرجر، فيتلخص في دفع الدكتور هانيبال ليكتر حيا إلى الذئاب والدببة لتنهش لحمه، وكاد ذلك الانتقام ان ينجح لولا تدخل المفتشة كلاريس التي بدأت تشتغل لحسابها وتطارده لإشباع الجوانب المثيرة في حياتها لا سيما انها لم تعد تستطيع ان تطارده رسمياً بعد ان تم عزلها عن متابعة تلك القضية في مؤامرة داخل كواليس البوليس الفيدرالي الذي كان داخله من يعمل لغريم هانيبال الباحث عن الانتقام.

انه فيلم جدير بالمشاهدة لكنه يجلب الغم والرعب لأصحاب القلوب الضعيفة، ولا تسأل لماذا يذهب الناس إليه باختيارهم مادام كذلك...؟ فالبشر يرغبون في اكتشاف نوازعهم العدوانية الدفينة على الشاشة، فتلك المشاهد الدموية تخلق لهم بعض حالات التطهير النفسي، هذا ان كانوا اسوياء اما ان لم يكونوا، فالاسباب واضحة، فمعظمهم يذهبون للتلذذ بالرعب ورؤية الدماء تسيل من أجساد غيرهم، ولو لم يكن هؤلاء يشكلون جمهوراً ضخماً لما كانت صناعة أفلام الرعب والعنف من أنجح الصناعات السينمائية.