ألا إن سلعة الله غالية

TT

يعيش المسلم دنياه في سياج ايماني آمن، لا يقدر على ان ينفك منه، او يخرج عن اطاره ان هو رغب الى ربه، واستعد للقياه، وعمل على مرضاته، واتقاه، وسعى الى نهاية طيبة لدنياه. ويقع هذا السياج الايماني الآمن ضمن معيارين: الاول هو الخوف من الله، والثاني هو الرجاء فيه تعالى.

نقول ذلك ونحن ندرك تماما ان اقدار البشر بيد خالقهم يفعل بهم ما يشاء ويحاسبهم بما يراه، فهو جلت قدرته «يعفو عن كثير»، وهو تعالى عند ظن عبده به، ولا يملك الانسان المؤمن إلا ان يظن بربه خيرا، فيرجو رحمته ويخشى عذابه.

وقد دعا نبي الامة، وهادي البشرية محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم امته ـ لا ! بل جميع امم الارض ـ الى المساهمة في سلعة الله والتنافس عليها فقال: «ألا ان سلعة الله غالية .. ألا ان سلعة الله هي الجنة». وهو عليه السلام بهذا النداء الخالد، والترغيب العظيم يدفع امته ـ لا ! بل البشرية كلها ـ الى شراء مرضاة الله بكل السبل، والوسائل، والاعمال المشروعة ليحققوا الهدف الاسمى الذي يعملون من أجله في حياتهم الدنيا وهو دخول الجنة بعفو الله ورحمته.

لقد طالب الاسلام كل الناس باخلاص العبادة لله، والثقة به، والتوكل عليه، واللجوء إليه جلت قدرته، كما حثهم على التزود بالعلم النافع الذي يحقق لهم ـ بتوفيق ربهم ـ حياة منتجة، وحضهم على العمل الصالح الذي يضمن لهم ـ بإرادة خالقهم ـ نهاية طيبة، فهذان هما المنقذان من الضلال، فالله الخالق البارئ المصور هو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير، الحياة تسير بقدرته، والكون يتواكب بإرادته، والامور ترجع إليه، والاحوال تصير برضاه وموافقته، يهب الفضل لمن يريد، وينزع النعمة ممن يريد، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

والانسان الذي يؤمن بعقيدة تجعل من تبسمه في وجه اخيه صدقة، وتجعل قطع شجرة يستظل بها عباد الله في فلاة إثما يحاسب عليه فاعله، وتجعل الحسنة بعشرة امثالها (والله يضاعف لمن يشاء)، قادر بفضل ربه على المساهمة في سلعة الله بثقته فيه، ثم بجهده الذي يؤديه لنيل عفو الله ورضاه، وهكذا يكون حث الخطى نحو الجنة. ان عقيدة بحوافز ايمانية مثل تلك وغيرها جديرة بأن تقود المؤمن بها من الضلال الى الهداية، ومن التيه الى الرشاد بيسر وبساطة.

فالباحث المنصف والموضوعي يدرك من دون عناء ما حمله الاسلام للإنسانية من مقومات الحياة الطيبة ما يتطلع كل ذي بصيرة الى ان يعيشها في دنياه، ويجني ثمارها في أخراه، فقد حدد الاسلام لبني البشر عامة مصادر اليقين، وسبل البر، وطرق التقوى، ووسائل الورع، والخوف من الله، والحياء، والعفة، والنقاء، والطهر، والفضيلة، ومكارم الاخلاق، والقيم النبيلة، كي تشيع في القلوب الطمأنينة، وتعود الى النفوس السكينة، وتستقر الافئدة، وترتاح الضمائر.

إذن فالأصل في المسلم ان يكون قادرا على الرجوع الى ربه بالنفس المطمئنة التي يدعوه جلت قدرته بها اليه: «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي». وذلك بشروط موضوعية ليس اقلها ان يسير في حياته على نهج الله القويم، وان يتبع ما شرعه الدين من عبادات، وهي صلة العبد بربه، وما احلّه من معاملات، وهي صلته بغيره من البشر، فالدين المعاملة كما ورد في الأثر، ومعيار التدين ليس وقفا على العبادات وحدها فقط، بل ايضا على ما يدل عليه تعامل الانسان مع غيره بصدق ووفاء، وامانة، وحسن خلق، وبما وقر في قلبه من ايمان، ويقين يصدقه العمل. فقد انفرد الاسلام من دون سائر الرسالات السماوية بتوازن دقيق بين الروحية والمادية ليكون اساسا لسير حياة البشر بواقعية لا تدحض طبائع الاشياء، ورجاء في الله يجعل دنيا الناس تسير برحمته وبهداه، هذا التوازن لم يدع الى روحية خاملة، بل الى روحية فاعلة نعتقد انها ترتكز على اصول ثلاثة يلتزم المسلم بها وهي:

ـ ان يعبد ربه تعبدا مكثفا يصله به في ساحات الزمان والمكان.

ـ ان يزهد في متاع الحياة الدنيا، زهدا عظيما يبعده عن بريقها ومغرياتها.

ـ وان يعطي لمجتمعه من جهده، وطاقته كل ما يقدر عليه بلا حدود، يحيط بكل ذلك نور الرضا الذي يمسح على القلوب البائسة الحزينة في ساعات العسرة.

فبروحية فاعلة كهذه، وبتبتل موصول برجاء في الله لا ينقطع، ولا تحده حدود يشري المسلم الملتزم سلعة الله الذي بفضله تتم الصالحات، فهل من مشترٍ؟! E-MAIL:[email protected]