أزمة الفتوى

TT

حتى مفتي مصر ملّ من سيل الفتاوى وفوضويتها في الاعلام، فتنادى الى وضع حد لها بفرض رقابة وتعيين جهاز يرخص للمفتين ويراجع الفتاوى. لكنه لن ينجح لأن الفتوى صارت مثل الطب الذي دخله مشعوذون وخبراء الأعشاب وباعة الأدوية، وفتحت الانترنت لهم عيادات بلا مرجعيات وصيدليات تبيع كل ما يتمناه المريض من علاجات، من الاحجار البركانية الى الاكتشافات الطبية التي لا تزال تحت التجريب.

وسائلو الفتوى هم مثل المرضى يريدون حلا حاسما والعلاجات تأتيهم عبر الانترنت والتلفزيون والإذاعة والصحف والتجمعات وغيرها. وبلغ حجم الفتاوى التي اطلقت في عشر سنوات فضائية أكثر مما أفتى به علماء المسلمين في الف وأربعمائة عام. ويعبر عن طفرة لا أدري ان كانت صحية او مرضية، لكنها لا تمت للواقع الاسلامي الماضي الا بالقليل. فهل كان ذلك قلة اهتمام من المسلمين الاوائل، ام انها تجارة معاصرة تساير عهد الاتصال وتجارتها مع غيرها من مسابقات وبرامج منوعة خفيفة وثقيلة؟

ولا نستطيع ان نلوم المتطوعين، من المفتين الذين لا توجد جهة ترخص لهم ولا تراجع بعدهم، لأن الانفتاح الاعلامي الذي يبيع للجمهور كل شيء، من تفاسير الاحلام الى تحليل الاحداث السياسية يجد تقبلا، فالناس تبدد أوقاتا اطول امام التلفزيون، بعد ان كان الوقت يمضي في الزيارات العائلية والأعمال الميدانية. وطالما ان الشاشة صارت الحاكم الاول في كل بيت تحظى بأربع ساعات معاشرة وطاعة شبه عمياء، فمن الطبيعي ان يكون لكل واحد منا فيها نصيب.

ولا اعتقد ان مفتي مصر يدرك كيفية العلاقة، حيث ان إخوانه المفتين التلفزيونيين لا يمرون بامتحانات ولا يقدمون وثائق علمية ولا تزكية من مراجع دينية، بل يدخلون من الباب الى الشاشة. هم حاجة أكيدة ولو لم يكونوا لاخترعتهم المحطات التلفزيونية تحت صور مختلفة. والإشكال يحدث غالبا من كثرة المفتين وتضارب طروحاتهم بالمغالاة في التحريم او التساهل في الاباحة، كل ينظر اليها من زاويته. وحجم الفتاوى الضخمة التي اصدرت خلال العشر سنوات الماضية لم تترك شاردة ولا واردة الا افتت فيها، حتى بات الوضع يستحق اطلاق فضائية جامعة لكل الفتاوى.

اما بالنسبة لمفتي مصر الذي يريد تصحيح الوضع وضبط الافتاء وحصره في أهل الاختصاص، فعليه ان يستسلم، لأن هزيمة المقتين الجدد أمر شبه مستحيل لضخامة عددهم، وإلحاح المشاهدين على وجودهم.

الأمر الوحيد ان يؤسس مرجعية لمن أراد ان يعود اليها في المؤسسات الاعلامية في اختيار من هو الأصلح، لتكون بمثابة المرشد فقط.

 

[email protected]