حرب الصورة

TT

في أحد شوارع المملكة الكبيرة، وعلى رأس بناية كبيرة أيضا علقت إحدى الشركات العالمية المشهورة بتغلغل منتجاتها في سوق الشباب اليومي، والتي تصرف على اعلاناتها الملايين، إعلانا يحمل صورة أحد مشاهير الكرة النجوم، وفي أسفل الصورة توقيع الشركة فقط، الصورة الكبيرة في وسط الشارع المكتظ بالسيارات والمارين، منحت الشارع مشهدا بأن المدينة تعيش عصرها، عصر لاعب الكرة، والشركات عابرة الحدود والقارات، فبدا المشهد طبيعيا، ومتسقا مع حاجات التجارة العالمية والسلوك الاستهلاكي الشائع الذي تعيشه مدن المملكة، إلا أن الصورة بعد يومين طمست بدهان، ثم عادت وهبطت من عليائها، وغابت في نفق لم يفصح أحد عن موقعة.

الحرب على الصور هي مشهد دائما في المشهد المجتمعي السعودي، فلا صورة تمر بدون متسلل أو متحمس يطلق عليها الدهان، والباعة والزبائن حائرون بين ثلاثة أطراف حكومية هي التجارة والبلدية وهيئة الأمر بالمعروف، فجهة تفسح وجهة تمنع وجهة تقبض منها ثمنا، جهة ترفع يدها عن حمايتها، وجهة تكنسها من الشارع. وإن مرت الصورة من الثلاث جهات فلا بد أن متحمسا سيمد يده ويقصف رقبتها أو عينيها أو يسيل على وجهها الدهان، حتى المنتجات الطبية التي تضعها الشركات على مغلفاتها، صورة تشرح كيفيه التعامل مع السلعة تطمس ويترك من طرفها أثر لا يعبر إلا عن مشهد الرفض والمطاردة.

وقد يذهب الظن بقارئ بعيد أن في الصورة ما فيها بحسب خيالات لا حدود لها، وللتوضيح فإن ما أتحدث عنها قد تكون صورة لرجل شاب يبتسم بأسنان بيضاء، وغترة حمراء، ويحمل في يده هاتفا محمولا، في إعلان يمدح الشركة المنتجة ويعد المستهلك بالجودة.

الحرب مع الصورة رغم طغيانها في كل مشهد فضائي أو صحافي، لا تزال محل تحريم وإثم، وهذا لا يعبر فقط عنه بموقف جماعة صغيرة، بل تضعه المناهج الدراسية في بطن كتبها.

ورغم ظهور علماء يصرحون في التلفزيون المحلي وفي الصحف وفي الخطب عن موقفهم من الصورة كصور الصحف والتصوير الفوتغرافي والكتب والملصقات المحتشمة، إلا أن هذا الفقه المتساهل يقصى ولا يعترف به عدد من الناس، بل إن البعض يميل إلى فقه التحريم ضد كل جديد ويبتعد عن الفقه المتسامح لتعيش المدينة في تناقضاتها العولمية، فهي في عصر يسمح بكل الوسائل التي تعتمد على الصورة كمضون ثقافي، لكنه يطمس صورها الحية، ويقطع بخط أسود رقبة الأشخاص في الرسوم المتحركة ويصبح الشاهد كمن يقرأ بطريقة برايل وهو بصير.

[email protected]