نظام إيران على خطى صدام

TT

كم صارت الامور متداخلة في الشرق الأوسط بسبب الحرب والوضع في العراق، خصوصاً بعدما أعطى الاميركيون الشيعة العراقيين قوة كبرى، يصعب عليهم استرجاعها منهم بسهولة. لقد أخذ الاميركيون السلطات المطلقة من البعثيين في العراق وأعطوها الى أحزاب شيعية على علاقة وثيقة مع ايران. والمشكلة الاساسية في المنطقة اليوم ان المسألة النووية الايرانية والأوضاع في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان صارت كلها متداخلة، وقريبا ستدخل تركيا في هذه الفوضى غير المنظمة.

إن العراق هو ارض المعركة، ولكل طرف مصالحه وأولوياته. يريد الايرانيون السلاح النووي، ويعتقدون بأن طريقة الحصول عليه تكون في الاظهار للاميركيين بأنهم لا يستطيعون تهديد طهران، طالما انهم متورطون في العراق خصوصاً أن لإيران حلفاء فيه، وهذه المعادلة جزء من عدم تحقيق الأمن في العراق.

من جانب آخر، ان جزءاً من مشكلة اميركا، انها حتى الآن لم تستطع توفير الأمن في بغداد وفي غرب العراق، وهي بالتالي في حاجة الى مساعدة سوريا للسيطرة على التمرد او، عليها إقناع السنّة العرب بالمشاركة في العملية السياسية بدل المقاومة· لكن السؤال هو عن مدى النفوذ السوري في هذا المجال، وعمّا اذا كان بمساواة نفوذها على جبهات الرفض الفلسطينية.

كثر الحديث، او بالاحرى تضاعفت التسريبات عن خطط اميركية ضد النظام السوري، ومنها ان مجلس الأمن القومي الاميركي يبحث فكرة قصف بعض القرى السورية، اضافة الى قصف الطرق التي يتسلل منها الجهاديون لشن عمليات ارهابية في العراق، كما سربت مصادر من داخل سوريا أن القوات الاميركية الخاصة تقوم فعلاً بعمليات في عمق الاراضي السورية. تزأمنت هذه التسريبات مع ما ذكرته صحيفة هاآرتز الاسرائيلية، من أن حكومة ارييل شارون تفّضّل نظاماً بعثياً ضعيفاً في سوريا، كما هو الحال الآن. وتقول مصادر أميركية، ان تفضيل إسرائيل بقاء الوضع على حاله المرتبكة في سوريا، يعود الى انها لا تريد المزيد من عدم الاستقرار خصوصاً على حدود الاردن· ثم ان دولاً عربية حذرت من حرب على سوريا، فالمنطقة مليئة بالمشاكل، وآخر ما يريده العرب، وضع فوضوي في سوريا يشبه الوضع في العراق، لأن مثل هذا الوضع سينتشر ليصل الى الأردن، ولبنان وفلسطين، كما ان لسوريا حدوداً مع تركيا، ولهذا طلبت واشنطن من الدول العربية مساعدتها في اقناع سوريا بأن لا تشطح في مراهناتها. كما ان وراء المبادرة العربية دوافع اميركية اضافة الى تأثر الاوضاع العربية عامة بما يجري في العراق خاصة.

وتقول المصادر الاميركية ان واشنطن لن تتأخر في استعمال كل الوسائل لتحقيق اولوية السياسة الاميركية المتمثلة في الخروج البشري من المآزق العراقي. وان من بين تلك الوسائل تقرير القاضي الالماني ديتليف ميليس المكلف في التحقيق بعملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والسؤال هو: ماذا سيفعل الاميركيون في التقرير؟ هل سيستعملونه لزعزعة الاستقرار في سوريا، لأن ذلك سيكون من بين أفضل الأعذار؟ وتضيف، ان الحالة التي سيكون عليها الوضع في العراق هي التي ستقرر نسبة الاهمية التي ستُعطى لذلك التقرير. ويلفتني مصدر اميركي الى ان الاميركيين يقفون الى جانب اللبنانيين لمعرفة الحقيقة، لكنهم يقفون اكثر مع مصالحهم، «تماماً كما تصرفوا مع شاه ايران محمد رضا يهلوي، ومع الرئيس الفيليبيني فرديناند ماركوس؟».

لقد بدأت سوريا بتقديم التنازلات الى واشنطن، ليس ابرزها تخلي النظام عن بعض رجالاته، بل كما الحال على الحدود الباكستانية ـ الافغانية حيث تلاحق القوات الاميركية مقاتلي القاعدة داخل الاراضي الباكستانية،كذلك تفعل اثناء ملاحقتها الجهاديين داخل الاراضي السورية. أما ماذا تفعل سوريا في مواجهة هذه الغارات؟ فإن المعلومات تقول، إنها أعادت نشر قواتها على مسافة بعيدة عن الحدود العراقية، وذلك لتحقيق ثلاثة اهداف:

الاول: تقليص فرص المواجهة العسكرية ما بين قواتها والقوات الاميركية. الثاني: يستطيع النظام السوري مع انحسار وجوده العسكري في المنطقة، نفي قيام القوات الاميركية بعمليات في الاراضي السورية، ويخفف بالتالي من ردود فعل الرأي العام، الهدف الثالث: يتيح للسوريين توجيه رسالة الى الاميركيين بأنهم يتعاونون على الرغم من كل المواقف السلبية الاميركية العلنية، طالما ان الطرفين يحافظان على السرية الملائمة.

من هنا كانت المواقف السورية «اللعب» بإوراق محلية وفلسطينية في لبنان، انما ضمن الحدود التي تسمح لها بتغطية ما يجري داخل اراضيها لجهة الحدود العراقية، كما أن وسائل إعلامها تردد بأن القاضي ميليس وقع ضحية معلومات خاطئة، حتى إذا تضمّن التقرير إدانة لسوريا، تكون هي استبقت التقرير بالادعاء انه اعتمد على معلومات خاطئة ولكنها مضطرة الى التجاوب معه، وهذا بالطبع اسلوب يثبت ضيق الافق، وعدم قراءة التفكير الاميركي والدولي وحتى العربي. اما واشنطن فإنها ليست راغبة في الاعلان عن تحركاتها، كي لا تنتشر اشاعات بأن القوات الاميركية تغزو الاراضي السورية، مما يسبب أزمة لباقي حكومات المنطقة، التي ستضطر الى إدانة العملية، وهي تريد ايضاً الابقاء على ربط سوريا بالوضع في العراق ولن تتيح للنظام الخروج من حالة الغموض التي يمر بها.

ومن سوريا الى ايران، التي نفت الاتهامات السعودية والبريطانية بطريقة: يكاد المريب ان يقول خذوني ذلك ان تصريحات وزير الداخلية العراقي بيان جبر صولاغ، تعكس الموقف الايراني، وهو العضو البارز في المجلس الأعلى للثورة الاسلامية الاكثر ولاء لإيران، وكذلك كان معنى نفي رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري التدخل الايراني في الشؤون العراقية.

إن دعم ايران للاطراف الشيعية بأغلب فئاتها ليس امراً مفاجئاً، كما ان التقارير التي تشير الى ارتباط حزب الله بالعراق ليست بجديدة، وكان المسؤولون العراقيون اكدوا ان لحزب الله اللبناني تسهيلات كثيرة في جنوب العراق، كما ان هناك حزب الله العراقي الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع احمد الجلبي، وتم تعيين زعيمه عبد الكريم المحمداوي في المجلس العراقي الحاكم عام 2003. ومما لا شك فيه ان العملية السياسية في العراق تتقدم حسب التمنيات الايرانية، وتتجه نحو تثبيت السيطرة الشيعية القوية على العراق كما تتطلب المصالح الايرانية. لكن هذا لن يطول، لأن العراقيين يرون بأم أعينهم معاناة الشعب الايراني في ظل حكم الثورة الايرانية، ولأن ايران تستعمل الشيعة العراقيين كي تذكّر قوات التحالف بقيادة اميركا، بأن في استطاعتها جعل الوضع الأمني السيئ في العراق اكثر سوءاً، لا سيما ان الضحايا عراقيون، ولأن هدفها الاساسي استئناف المفاوضات مع الاوروبيين لشراء الوقت بالنسبة الى المسألة النووية، كي لا تتم إحالتها الى مجلس الأمن في 28 الشهر المقبل، عندما سيجتمع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة النووية.

على كل، لا بد من التذكير بأن طهران وواشنطن تجريان منذ فترة طويلة محادثات عبر أقنية خلفية، فيما الازمة النووية الايرانية وحدها تجذب اهتمام الاعلام، وقد انكشف المستوى الذي وصل اليه التعاون بين الدولتين في السادس من الشهر الحالي عندما اقترح محضر للخارجية الاميركية على إدارة الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، توسيع الاتصالات الدبلوماسية مع طهران، وبرر مسؤولون في واشنطن ذلك بقولهم انه تم توزيع المحضر/التوصية كمحاولة لإعاقة الطموح النووي الايراني، وللتأثير على السياسة المحلية الايرانية، واقترح المحضر أيضاً الانفتاح على المقربين من مرشد الثورة آية الله علي خأمنئي، وكذلك فتح مكتب صغير في طهران «لرعاية المصالح» يديره موظفون اميركيون.

إن المصاعب التي تواجهها ادارة بوش إن في الداخل او في احتلال العراق تحتّم عليها تخفيف تصّديها للنفوذ الايراني في العراق، ومصالحها في نجاح تشكيل حكومة عراقية جديدة ستمنعها من توتير العلاقات مع ايران، وهي بالتالي ستكتفي بتوجيه إنذارات محدودة اليها بحيث لا تزعزع الوضع اكثر في العراق· لكن هذا يجب الا يريح ايران، فوضعها اليوم يذكّر تماماً بالوضع الذي وصل اليه صدام حسين عندما اعتقد انه سيحكم سعيداً منطقة الخليج وكل الشرق الاوسط، يومها بدأ بالفعل انهيار نظامه. ان التاريخ يعيد نفسه وإن اختلفت هويات ابطاله.