سلاح «حزب الله» .. بين «خريطتين»

TT

بين هبة باردة وأخرى ساخنة «تترتب» أوضاع لبنان ـ وإن ببطء ممل ـ تحت مظلة القرار 1559 وبرعاية فرنسية ـ أميركية أظهرت، حتى الآن على الاقل، انها «أحذق» من الرعاية السابقة في تفهمها للحساسيات اللبنانية ومراعاتها للظروف.

رغم ذلك، ما تحقق حتى الآن في لبنان، تحت مظلة القرار 1559، لا يستهان به إذا ما قيس بالفترات الزمنية التي يستهلكها ـ والأصح يهدرها ـ تنفيذ أي تغيير في لبنان.. فقد تم انسحاب القوات السورية من الاراضي اللبنانية، وانجزت الانتخابات النيابية في مواعيدها الدستورية وأخيرا ـ لا آخرا ـ «اقتنعت» الفصائل الفلسطينية باقتراح الحكومة اللبنانية ازالة وجودها المسلح خارج المخيمات واستطرادا تنظيم العلاقة اللبنانية ـ الفلسطينية بكل اوجهها، السياسية والأمنية والاجتماعية.

باختصار ما يجري في لبنان اشبه ما يكون بتطبيق تدريجي لـ «خريطة طريق» خفية وضع خطوطها الكبرى القرار الدولي 1559.

لكن، مع ان لبنان لم يقصر يوما في تأكيد احترامه لقرارات الشرعية الدولية، فقد تصح فيه، أكثر من أي مكان آخر، مقولة «إن شيءت ان تطاع فاطلب المستطاع».

و«المستطاع» لا يشمل، للآن، المطلب الابرز للقرار 1559: جمع سلاح «حزب اللّه».

الدبلوماسية الاميركية، المقتنعة بالمنطق الفرنسي حيال الحساسيات الداخلية، التي يثيرها نزع هذا السلاح بالإكراه، والحريصة في الوقت نفسه على تجنيب الدولة خضّات قد لا تقوى على مواجهتها بسلام، تبدو أيضا غير مستعجلة على تنفيذ كامل بنود القرار قبل ان تتوفر الظروف الاقليمية الملائمة لهذا التنفيذ.. وقد لا يختلف اثنان على ان الظرف الأمثل يبدأ بإحياء المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية بشأن الانسحاب، المطلوب أميركيا، من الضفة الغربية، وبالتالي تغليب لغة الحوار على لغة البندقية في العلاقة الفلسطينية ـ الاسرائيلية.

على هذا الصعيد، توحي عودة الحديث الفلسطيني عن ضرورة تطبيق «خريطة الطريق» الاميركية بأن خريطة الطريق اللبنانية (القرار 1559)، مرشحة لان تطبق بالتزأمن مع الخريطة الفلسطينية.

وبعد ان أقدم شارون على ما كانت قلة قليلة من الاسرائيليين تتصور انه سيقدم عليه، وقلة أقل ان بمقدوره الاقدام عليه ـ أي تفكيك المستعمرات اليهودية في قطاع غزة وسحب القوات الاسرائيلية منه، وبعد أن هضم المجتمع الاسرائيلي «صدمة» أول انسحاب عسكري من جزء من «أرض الميعاد»، لم يعد الاسرائيليون يستبعدون إقدام شارون على خطوة مماثلة في الضفة الغربية تكون الانطلاقة المطلوبة، دوليا، لبدء التنفيذ الميداني لخريطة الطريق ولإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة (وإن في حدود جدار الفصل العنصري الذي يواصل شارون بناءه).

وغير خاف انه على الجانب الآخر من المعادلة، بدأت تصرفات شارون ـ كائنة ما كانت خلفيتها الحقيقية ـ تقنع شريحة لا بأس بها من الرأي العام الفلسطيني بجدوى العمل غير المسلح في تحقيق الدولة الفلسطينية برعاية اميركية لا مفر منها في ظل التوازنات الراهنة للقوى الدولية والإقليمية.

على ضوء هذه الخلفية التي ترجح الدبلوماسية على البندقية، يبدو التطبيق الكامل للقرار 1559 في لبنان، ولخريطة الطريق الاميركية في الضفة الغربية، وجهين لعملة واحدة اسمها: الحل النهائي للقضية الفلسطينية.

عندئذ يصبح تخلي «حزب الله» عن سلاحه مجرد تحصيل حاصل.. إذا كان دافع تسلحه لبنانيا لا «إقليميا».