استقرار السودان أساسي لكل القارة الأفريقية

TT

اسمحوا لي بأن أشارككم أفكاري بعد جولة ميدانية للخرطوم ودرافور بالسودان. وقد عدت بثلاثة استنتاجات: استقرار السودان لم يتحقق بعد؛ واستقرار السودان أساسي لكل القارة الأفريقية؛ وعلى المجتمع الدولي، خصوصا أوروبا واجب أن تتحرك وأن تحقق نتائج هناك.

لم يتحقق بعد استقرار السودان برغم أهمية توقيع اتفاق السلام بين الشمال والجنوب يوم 9 يناير مهما، الذي أعاد سلاما للجنوب بعد أكثر من 20 عاما من الحرب الأهلية. وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم متمردين سابقين من حركة تحرير شعب السودان يوم 19 سبتمبر الماضي. لكن ذلك غير كاف. إذ يجب على الحكومة السودانية أن تعمل كحكومة وحدة وطنية حقيقية. أنا لست متأكدا من تحقق هذا الشيء بعد. أنا ناشدت ممثلي حركة التمرد السابق خصوصا سالفا كير النائب الأول لرئيس جمهورية السودان كي يستمر العمل على الطريق الذي خطه الزعيم الراحل جون قرنق الذي توفي يوم 30 يوليو. وهذا الطريق يؤول إلى سودان جديد ديمقراطي وموحد. ولا يمكن أن يكون الهدف من العملية السلمية انفصالا عن السودان. فهذا سيكون كارثة لكل المنطقة. ولتجنب ذلك يجب تأسيس سودان مرغوب بتحققه من قبل الشعب السوداني كله.

ظل استقرار السودان غير مؤكد منذ اندلاع أزمة دارفور عام 2003. وهذه أزمة أساسية. إذ ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب هناك. إنها مسؤولية حكومة الخرطوم لحل الأزمة. إنه لمن الوهم الاقتناع بأن هناك حلا عسكريا. فالحل الوحيد هو سياسي. ولا بد من التفاوض من اجل السلام بابوجا في الاطار الذي حدده الاتحاد الأفريقي. وقد نبهت كل الأطراف وناشدت لتحقيق ذلك بما يحمله من أهداف، مثلما نبهت للمخاطر.

أنا واثق من أن السودان لديه القدرة على أن يكون محركا لأفريقيا بين الآخرين. فهو البلد الأكبر في القارة. وفيه امكانيات هائلة ارتباطا بزراعته وموارده المائية ونفطه. ولكن قوة السودان العظمى تكمن في شعبه. فهم أناس يتميزون بالتدريب العالي والقدرات. ويجري الطلب على المهندسين المحامين السودانيين في دول الخليج ويعتبر موسيقيوها وكتابها مصدر الهام لمناطق في أفريقيا بأسرها. وقبل كل شيء يمتلك السودان القدرة على أن يقدم مثالا ليس لأفريقيا فحسب، وإنما للعالم العربي. فهو بلد يمتزج فيه العرب والأفارقة. ان مجموعاته العرقية الـ 572 قد عرفوا انفسهم على الدوام باعتبارهم سودانيين. كما أنه بلد تمتزج فيه الأديان، حيث الوثنيون والمسلمون والمسيحيون عرفوا دائما كيف يهذبون التسامح. وأخيرا فانه بلد عرف الديمقراطية.

من هنا فبوسع السودان، ومن موقعه بين العالمين العربي والأفريقي وبين الإسلام والمسيحية، أن يصبح مختبرا للتعايش والتسامح بما يمكن لتطبيع الديمقراطية، وهذا السبب يوجب علينا، نحن معشر الاسرة الدولية أن نبقي على ارتباطنا بالسودان ، حيث يجب علينا المحافظة على التزاماتنا والاستمرار في طلب النتائج. وللاتحاد الأوروبي بالطبع وجوده على كل الأصعدة، السياسية والاقتصادية والإنسانية، وقد حرّك سلفا 750 كليون يورو فيما يدعم في دارفور نفسها جهود المراقبة التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي ، ويضمن ذلك الدعم ضباط أوروبيون شرطة وعسكريين موجودون على الأرض فيما يحض الاتحاد الأوروبي متمردي دارفور للذهاب لمائدة التفاوض في أبوجا، وتبذل أميركا دورا جوهريا في السودان وعلينا أن نعمل معا، والأمم المتحدة أيضا موجودة وهي تنشر الآن قوة مراقبة فاعلة في الجنوب ، ومع ذلك نحتاج لإرادة الجميع والى حشد العالم العربي ، ومصر والسعودية ، وأخيرا، وفوق كل شيء ، لا بدّ أن نساند الاتحاد الأفريقي الذي يقوم بعمل كبير على الأرض ويسعى الى تسوية نهائية للأزمة بدارفور، وهذا هو السبب الذي يجعل من التعاون الجاري في دارفور بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، والذي أعتبره مثاليا ، أمرا مهما، ولأنه يرسي سابقة جيدة لعلاقاتنا مستقبلا في مسارح أفريقية أخرى .

* المسؤول الأعلى للأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»