أربعائيات .. العبادة .. العادة..!

TT

أشعر بكثير من الحزن حين أرى طلبتي في الجامعة يسجلون أعلى نسبة غياب في شهر رمضان، وكذلك يفعل الأساتذة. ويتساءل الإنسان ما الذي يفعله المسلمون بأنفسهم، متى ينظرون في مرآة أنفسهم ويعترفون بأنهم حولوا العبادة إلى عادة، وأخرجوها من مضامينها الإنسانية والروحية.

علينا أن نعترف بأننا معشر المسلمين معلمون ورواد في فن إضاعة الفرص. فليس هناك دين يجمع أتباعه بمئات الملايين يأتون طائعين دون إجبار، ويجلسون في يوم الجمعة في آلاف المساجد الممتدة، في طول العالم الاسلامي وعرضه، للاستماع إلى خطبة الجمعة، ثم تخرج الأغلبية الساحقة منهم بدون أن يستفيدوا من هذه المناسبة الوعظية وهذا الدرس الأسبوعي بشيء مفيد، فالكلام المكرر، والزجر المستمر بدون أي مضمون تنموي أو إنساني لخطبة الجمعة، وفي ظل أغلبية من الخطباء الذين ينقصهم الكثير من ثقافة التنمية، ومفاهيم التحضر رغم صدق النوايا.

رمضان هو دليل آخر على تحول العبادة إلى عادة، فالمفترض أن يكون شهرا للزهد ومشاركة المحتاجين ونشر مفاهيم القناعة وتقليل الاستهلاك، والاكتفاء بالقليل كنوع من تدريب النفس والشعور النبيل بحالة المحتاجين والفقراء.

ولكن هذا الشهر تحول إلى شهر للنوم والكسل، وتحول كثير من المسلمين إلى مشاريع للتجهم، فالأغلبية لا تبتسم، وتتعامل مع الآخرين بخشونة، وتجد في الصوم فرصة للخشونة مع الآخرين بحجة الصوم، والانقطاع عن أداء الواجب والنسيان الكلي بأن العمل عبادة أيضا، والميل إلى التواكل، وأكثر من ذلك تحول هذا الشهر إلى مناسبة عظيمة للتبذير والاستهلاك، فالأسواق تمتلئ بالمستهلكين الذين يشترون كل شيء حتى لو لم يكونوا بحاجته، والناس تتفنن في إعداد اكبر كمية من الغذاء الذي لا يأكله أحد..!

الناس في رمضان يتعاملون مع بعضهم بخشونة، يقودون سياراتهم بخشونة، يهملون واجباتهم وأعمالهم، معتقدين أن الصوم هو مجرد التوقف عن الطعام والشراب، متناسين أنه «رب صائم ليس له عن صومه الا جوعه وعطشه»..!